والسر فيه أن العلم على كل حال يتبع المعلوم عدما ووجودا فلا يكسب المعلوم صفة ولا يكتسب عنه صفة فالعلوم تختلف في الشاهد لاستحالة البقاء وتقدير اختلاف المتعلقات والعلم القديم في حكم علوم مختلفة لا في حكم خواص متباينة وكذلك نقول في الكلام فإن الأمر والنهي والخبر والاستخبار شملتهما حقيقة الكلام فاجتمعت في حقيقة واحدة واختلفت اعتبارات تلك الحقيقة بالنسبة إلى المتعلقات وهذا غير مستبعد وإنما المستحيل كل الاستحالة إثبات ذات واحدة لها خاصية العلم وخاصية القدرة والإرادة إلى غير ذلك من سائر الصفات حتى يلزم أن يقال يعلم من حيث يقدر ويقدر من حيث يعلم ويقدر بعالمية ويعلم بقادرية وتجتمع صفتان وخاصيتان لذات واحدة وذلك غير معقول وأما صفات الذات التي ليست وراء الذات فإنها راجعة إلى النفي لا إلى الإثبات فمعنى كونه قديما أنه لا أول له ولا آخر ومعنى كونه واحدا أنه لا شريك له ولا قسيم ومعنى كونه غنيا أنه لا حاجة له ولا فقر ومعنى كونه واجبا بذاته أن وجوده غير مستفاد من غيره ومعنى كونه قائما بنفسه أنه غير محتاج إلى مكان وزمان بل هو مستغن على الإطلاق عن الموجد والمكان والمحل بخلاف قولنا أنه عالم قادر فإن العالم ذو العلم حقيقة والقادر ذو القدرة حقيقة والإحكام والإتقان دليل العلم وأثره والوجود والحصول دليل القدرة وأثرها فهما معنيان معقولان بحقيقتهما فلا يتحدان في ذات كما لا يتحدان بذاتهما حتى يكون حقيقة أحدهما حقيقة الثاني وكذلك قلتم معاشر المعتزلة أن العالمية ليس بعينها معنى القادرية لجواز العلم بأحدهما مع الجهل بالثاني.
وقال أبو هاشم العالمية حال والقادرية حال ومفيدهما حال يوجب الأحوال كلها فلا فرق في الحقيقة بين أصحاب الأحوال وبين أصحاب الصفات إلا أن الحال متناقض للصفات إذ الحال لا يوصف بالوجود ولا بالعدم والصفات موجودة ثابتة قائمة بالذات ويلزمهم مذهب النصارى في قولهم واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية ولا يلزم ذلك التناقض مذهب الصفاتية.
وأما الاستدلال بالنفي والإثبات فصحيح واعتراضكم فاسد فنقول قد قام الدليل على كون الصانع عالما قادرا فلا يخلو الحال إما أن يكون الاسمان عبارتين عن معبر واحد من غير تفاوت أصلا فيلزمكم أن تفهم العالمية بفهم القادرية ويلزمكم أن تنفى العالمية من نفي القادرية ويلزمكم أن يوجد العالم من حيث كونه عالما فحسب ولا يحتاج إلى إثبات كونه قادرا فيلزم أن يدل على العالمية كما يدل على القادرية ومن المعلوم الذي لا مرية فيه أنه ليس إطلاق لفظ العالم القادر كإطلاق لفظ الموجد الخالق فإنا ندرك ببدائه عقولنا فروقا ضرورية بين كونه علاما قادرا وبين كونه موجدا خالقا فلو كان الاسمان مترادفين ترادف هذين الاسمين لكنا لا ندرك بعقولنا هذه التفرقة ثم ليس يجوز أن يقال أحد الوصفين وصف إثبات والثاني وصف نفي فإنهما في محل تصور الفهم متساويان وليس يجوز أن يقال أحدهما وصف إضافة والثاني وصف حال وصفة إذ الإضافة من لوازمها لذاتها بل هما حقيقتان تعرض لهما الإضافة إلى المتعلقات والإضافة معنى لا تعرض له الإضافة وإذا بطلت هذه الوجوه تعين أنهما صفتان قائمتان بالذات عبر الشرع عن إحداهما بالعلم وعن الثانية بالقدرة.
قالت المعتزلة نحن لا ننكر الوجوه والاعتبارات العقلية لذات واحدة ولا نثبت الصفات إلا من حيث تلك الوجوه إما إثبات صفات هي ذوات موجودات أزلية قديمة قائمة بذاته هو المنكر عندنا فإنها إذا كانت موجودات وذوات وراء الذات فإما أن تكون عين الذات وإما أن تكون غير الذات فإن كانت عين الذات فهو مذهبنا وبطل قولكم هي وراء الذات وإن كانت غير الذات فهي حادثة أو قديمة وليس من مذهبكم أنها حادثة وإن كانت قديمة فقد شاركت الذات في القدم والوجوب بالذات ونفى الأولية فهي آلهة أخرى فإن القدم أخص وصف القديم والاشتراك في الأخص يوجب الاشتراك في الأعم.
ومن الإلزامات على قولكم أنها قائمة بذاته أن القائم بالشيء محتاج إلى ذلك الشيء حتى لولاه لما تحقق له وجود به فيلزمكم إثبات خصائص الأعراض في الصفات فإن العرض هو المحتاج إلى محل يقوم به ويلزمكم إثبات التقدم والتأخر الذاتي العقلي في الذات والصفات وهذا كله محال.
مخ ۶۷