ومن الجمع بين الشاهد والغائب الشرط والمشروط قالت الصفاتية ألستم وافقتمونا على أن الشرط وجب طرده شاهدا وغائبا فإن كون العالم عالما لما كان مشروطا بكونه حيا في الشاهد وجب طرده في الغائب حتى إذا ثبت كونه حيا بهذا الطريق كذلك في العلم وأنتم ما فرقتم في الشرط بين الجائز والواجب لذلك يلزمكم في العلم أن لا تفرقوا في العلة بين الجائز والواجب وهذا لازم على المعتزلة غير أن لهم ولغيرهم طريقا آخر في إثبات كونه تعالى حيا بدون الشرط فإن الحياة بمجردها لم تكن شرطا في الشاهد ما لم ينضم إليها شرط آخر فإن البنية على أصلهم شرط في الشاهد ثم لم يجب طرده في الغائب وانتفاء الأضداد شرط حتى يتحقق العلم ويجوز أن يكون المعنى الواحد شرطا لمعان كثيرة ويجوز أن تكون شروط كثيرة لمعنى واحد وبهذا يتحقق التمايز بين الشرط والعلة فلا يلزم الشرط على القوم ولكن يلزم على كل من قال بالعلة والمعلول والشرط والمشروط سؤال التقدم والتأخر بالذات وإن كانا متلازمين في الوجود فإن العلة إنما صارت مقتضية للحكم لاستحقاقها التقدم عليه بذاته والمعلول إنما صار مقتضيا للعلة لاستحقاقه التأخر عنها بذاته وبهذا أمكنك أن تقول إنما صار العالم عالما لقيام العلم به ولا يمكنك أن تقول إنما قام العلم به لكونه عالما ولو كان حكمهما في الذات حكما واحدا لم يثبت هذا الفرق وبمثل هذا نفرق بين القدرة الحادثة والمقدور فإن الاستطاعة وإن كانت مع الفعل وجودا إلا أنها قبل الفعل ذاتا واستحقاق وجود ولهذا أمكنك أن تقول حصل الفعل بالاستطاعة ولا يمكنك أن تقول حصلت الاستطاعة بالفعل وهذا قولنا في الشرط والمشروط فإن المحل يجب أن يكون حيا أولا حتى يقوم العلم به والقدرة ولا يمكنك أن تقول العلم والقدرة أولا حتى يكون حيا وإلا فيرتفع التميز بين الشرط والمشروط.
ولا تظنن أن هذا الفرق راجع إلى مجرد اللفظ فإن التفرقة المذكورة قضية عقلية وراء اللفظ ولا تظنن أيضا أنه راجع إلى تقديرنا الوهمي حيث يقدر استحقاق وجود لأحدهما دون الثاني وافتقار وجود أحدهما بالثاني فإن كل تقدير وهمي إذا لم يكن معقولا أمكن تبديله بغيره من التقديرات وهذا لا يمكن تبديله بل هذه قضية معقولة فيلزم على ذلك أحد أمرين إما أن يترك القول بالعلة والمعلول والشرط والمشروط رأسا ولا يطلق لفظ الإيجاب والاقتضاء على المعاني بل يقال معنى كون الشيء عالما قيام العلم به ومعنى قيام العلم به اتصاف محله به من غير فرق لكن يشتق له اسم من العلم فيقال عالم كما يشتق له اسم من الفعل فيقال فاعل وهذا أمر راجع إلى اللغة فحسب فلا اقتضاء ولا إيجاب ولا علة ولا معلول وهذا أهون الأمرين وإما أن يقضي بسبق العلم على العالمية وأن يكون الوجود بالعلم أولا وأولى منه بالعالمية ثم يحكم بسبق الذات على الصفات وأن يكون الوجود بالذات أولا أولى منه بالصفات من حيث أن الذات قائمة بذاتها والصفات قائمة بها حتى يكون الموصوف من حيث الذات أسبق على الصفة والصفة من حيث الإيجاب والاقتضاء أسبق على الموصوف وهذا أشنع الأمرين والاستخارة إلى الله سبحانه وتعالى وهو خير مخير.
ومن الجوامع بين الشاهد والغائب الحد والحقيقة جرى رسم المتكلمين بذكر الحد والحقيقة في هذا الموضع وقد اختلفوا في أن الحد عين المحدود أو غيره وأنه والحقيقة شيء واحد أم شيئان.
قال نفاة الأحوال حد الشيء وحقيقته وذاته وعينه عبارات عن معبر واحد.
مخ ۶۳