قال الأصحاب الحركة والسكون من جملة الجائزات جبلة إذ ليس في وجود كل واحد منهما استحالة وإذا كانت القدرة صالحة وتقدير الاختلاف في الإرادة متصور عقلا فنحن نجعل المقدر كالمحقق وإن ما يلزم من التحقيق يلزم من التقدير كتقدير قيام لون أو عرض آخر بذاته تعالى نازل منزلة التحقيق في الاستحالة والعلم ليس يخرج الجائز عن قضية الجواز فإن خلاف المعلوم جائز الوجود جنسا وأقول إذا علم أحدهما تحريكه بإرادته وقدرته أفيعلم الثاني تحريكه بإرادة نفسه وقدرته أم يعلم تحريكه بإرادة غيره وقدرته فإن علم ذلك موجودا بإرادته وقدرته أم يعلم تحريكه بإرادة غيره وقدرته فإن علم ذلك موجودا بإرادته وقدرته فيكون العلم الثاني جهلا لا علما وإن علمه موجودا بإرادة غيره وقدرته فيكون الغير إلاها عالما مريدا قادرا ويكون الثاني متعطلا ولم يوجد له إلا علم متعلق بفعل غيره فقط وإما إرادته لفعل غيره وقدرته على فعل غيره فتقديرهما مستحيل الوجود أو ناقص الوجود فإن أخص وصف الإرادة ما يتأتى به التخصيص وأخص وصف القدرة ما يتأتى بها الإيجاد والإبداع وهما إذا تعلقا بفعل الغير خرجا عن أخص حقيقتهما ففي تعطيلهما عن الفعل بعد جواز الفعل إبطال حقيقتهما ولهذا قلنا أن معنى فاعلية الباري سبحانه وتعالى أنه لم علم وجود شيء في وقت مخصوص أو تقدير وقت إراده على مقتضى علمه وأوجده بقدرته على مقتضى إرادته من غير أن تتغير ذاته أو صفة من صفاته وعلمه وإرادته وقدرته فيشبه أن يقال لزم كونه ضرورة ولكنا لا نطلق هذا اللفظ ملاحظة منا جانب الإرادة والقدرة حتى لا يلزمنا الإيجاب بالذات وذلك ينافي الكمال فنحن إنما عرفنا الجواز في الجائزات بقضية عقلية ضرورية وعرفنا استناد وجود الموجودات إلى عالم قادر مريد لضرورة الاحتياج في الجائزات فإن قدرناهما على كمال الاقتدار والاستبداد بالفعل والإبداع والتساوي في صفات الذات وصفات الفعل حتى يكون كل واحد منهما هو الموجد بقدرته وإرادته وعلمه وقع التمانع في الفعل وإن قدرناهما على تسليم أحدهما للثاني في جميع ما اشتغل به كان المسلم عبدا والمسلم إليه إلاها حقا وإن كان كل واحد منهما مستقلا في بعض مسلما في بعض كان كل واحد منهما محتاجا من وجه وغنيا من وجه قاصرا من حيث الفعل كاملا من حيث القوة فلا يكون إلاهين بل محتاجين إلى كامل من كل وجه فإذا لا يتصور في العقل تقدير موجودين على كمال الاستقلال ولا في التجويز العقلي تقدير قادرين على التساوي في كمال الاقتدار ولا مريدين ولا عالمين على التماثل في كمال الإرادة والعلم بل ولا ذاتين متساويين من جميع الوجوه من غير أن يختص إحداهما عن الثانية إما بإشارة إلى هذا أو ذلك أو محل مميز أو مكان محيز وزمان مقدم ومؤخر أو بفعل خاص أو أثر يدل على تغاير المصدر وتباين المظهر ولهذا قلنا أن الواحد مدلول الفعل ولو قدرنا ثانيا وثالثا لتكافوا من حيث العدد.
ولقد استهزأ بهذه الطريقة من لم يدرك غورها وأمكن تقريرها من وجهين: أحدهما أن الفعل قد دل على وجود صانع للعالم مريد قادر فإن قدر ثان فلا يخلو إما أن يكون له دليل خاص على وجوده أو يجوز عقلا بأن يقال كما لا دليل على وجوده ولا دليل على انتفائه فإن له دليلا بأن يخلق عالما آخر غير العالم المعين فيؤدي إلى قصور في الإلهين جميعا كما بينا وإن جوز ذلك فيجب أن يكون عالما بأن يخلق مريدا لأن يخلق قادرا على أن يخلق وإذا لم يخلق دل على أنه لم يرد وإذا لم يرد علم أن لا يخلق والإله يجب علمه بأن يخلق ويريد بأن يخلق حتى يكون مثلا للأول فإنما ليس بمثل له ليس بإلاه.
والوجه الثاني في تقرير التكافي أن الأمر لا يخلو إما أن يقف في عدد معلوم فيستدعي الاقتصار على عدد محصور مقتضيا حاصرا فإن الكمية من حيث العدد كالكمية من حيث المساحة أليس لو كان واحدا ذا حجم وعظم مشكل اقتضى مشكلا لذلك إذا كان ذا مقدار وعدد اقتضى مقدرا وإن لم يقف في عدد معلوم اقتضى أعدادا غير متناهية محصورة في الوجود غير مترتبة وذلك محال وبالجملة ما لا دليل عليه عقلا فتجويز وجوده تقدير عقلي والمجوز عقلا المقدر ذهنا ليس بإلاه.
مخ ۳۳