وأما الثاني فقد سلك شيخنا أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه طريق الإبطال وقال لو قدرنا قدم الجواهر لم يخل من أحد أمرين إما أن تكون مجتمعة أو مفترقة أو لا مجتمعة ولا مفترقة أو مجتمعة ومفترقة معا أو بعضها مجتمع وبعضها مفترق وبالجملة ليست تخلو عن اجتماع وافتراق أو جواز طريان الاجتماع والافتراق وتبدل أحدهما بالثاني وهي بذواتها لا تجتمع ولا تفترق لأن حكم الذات لا يتبدل وهي قد تبدلت فإذا لا بد من جامع فارق فيترتب على هذه الأصول أن ما لا يسبق الحادث فهو حادث وقد أخذ الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني هذه الطريقة وكساها عبارة أخرى وربما سلك أبو الحسن رحمه الله طريقا في إثبات حدوث الإنسان وتكونه من نطفة أمشاج وتقلبه في أطوار الخلقة وأكوار الفطرة ولسنا نشك في أنه ما غير ذاته ولا بدل صفاته ولا الأبوان ولا الطبيعة فيتعين احتياجه إلى صانع قديم قادر عليم قال وما ثبت من الأحكام لشخص واحد أو لجسم واحد ثبت في الكل في الجسمية وهذه الطريقة تجمع الإثبات والإبطال واعتمد إمام الحرمين رضي الله عنه طريقة أخرى فقال الأرض عند خصومنا محفوفة بالماء والماء بالهواء والهواء بالنار والنار بالأفلاك وهي أجرام متحيزة شاغلة جوا وحيزا وبالاضطرار نعلم أن فرض هذه الأجسام متيامنة عن مقرها أو متياسرة أو أكبر مما وجدت شكلا وعظما أو أصغر من ذلك ليس من المستحيلات وكل مختص بوجه من وجوه الجواز دون ساير الوجوه مع استواء الجايزات وتماثل الممكنات احتاج إلى مخصص بضرورة العقل وستعلم فيما بعد أن العالم ممكن الوجود باعتبار ذاته سواء قدر كونه متناهيا في ذاته مكانا أو زمانا أو غير متناه فإن الخصم يقضي عليه بالإمكان على انه في ذاته غير متناهي الزمان وهو متناهي المكان فالأولى أن يجعل للتناهي المكاني مسئلة ويجعل للتناهي الزماني من حيث الحركات والمتحركات مسئلة أخرى ونأخذ احتياجه إلى المخصص كالمسلم أو كالضروري أو كالقريب من الضروري.
فإن قيل فما الدليل على تطرق وجود الجايزات إلى العالم بأسره قلنا العقل الصريح يقضي بالإمكان في كل واحد من أجزاء العالم والمجموع إذا كان مركبا من الأجزاء كان الإمكان واجبا له ضرورة.
مخ ۴