فنقول اتفقنا على أن العالم جايز لذاته محتاج إلى مرجح لجانب الوجود على العدم فالمرجح لا يخلو إما أن يرجح من حيث هو ذات أو من حيث هو وجود ويلزم عليه أمران أحدهما أن يكون كل ذات وكل وجود مرجحا والثاني أن يحدث ما يجوز وجوده مما لا يتناهى فان نسبة الجميع إلى الذات والوجود نسبة واجدة والوجهان محالان وإما أن يرجح من حيث هو ذات أو وجود على صفة أو على اعتبار ووجه فان يرجح من حيث هو وجود على صفة فقد سلمت المسئلة وبطل الايجاب الذاتي وإن يرجح من حيث هو وجود على وجه كما قال الخصم أنه واجب الوجود لذاته وإنما أوجب من حيث أنه واجب لذاته وهو وجود على وجه فهو أيضا باطل فإن وجوب الوجود لذاته معناه أمر سلبي أي وجوده غير مستفاد من غيره ومن فهم وجودا غير مستفاد لم يلزمه أن يفهم أنه مفيد غيره وكذلك من فهم أنه عالم أو عقل وعاقل كما قال الخصم لم يلزم منه أن يفهم منه أنه موجد مفيد الوجود غيره لأن معنى كونه عقلا عند الخصم معنى سلبي أيضا أي مجرد عن المادة وبأن يكون مجردا عن المادة لا يلزم أن يكون مفيد الوجود لغيره فبطل الإيجاب الذاتي من كل وجه وتعين أنه إنما أوجد لكونه على صفة ولتلك الصفة من حيث ذاتها صلاحية التخصيص والإيجاد عموما بالنسبة إلى ما حصل على الهيئة التي حصل وبالنسبة إلى غيرها نسبة واحدة ولها أيضا خصوص وجه بالنسبة إلى ما حصل دون ما لم يحصل وذلك الخصوص لها عند إضافتها إياها إلى غيرها.
فنقول لما علم الباري وجود العالم في الوقت الذي وجد فيه أراد وجوده في ذلك الوقت فالعلم عام التعلق بمعنى أنه صفة صالحة لأن يعلم به جميع ما يصح أن يعلم والمعلومات لا تتناهى على معنى أنه علم وجود العالم وعلم جواز وجوده قبل وبعد على كل وجه يتطرق إليه الجواز العقلي والإرادة عامة التعلق بمعنى أنها صفة صالحة لتخصيص ما يجوز أن يخصص به والمرادات لا تتناهى على معنى أن وجوه الجواز في التخصيصات غير متناهية ولها خصوص تعلق من حيث أنها توجد وتوقع ما علم وأراد وجوده فإن خلاف المعلوم محال وقوعه فالصفات كلها عامة التعلق من حيث صلاحية وجودها وذواتها بالنسبة إلى متعلقاتها إلى ما لا يتناهى خاصة التعلق من حيث نسبة بعضها إلى بعض والإرادة لا تخصص بالوجود إلا حقيقة ما علم وجوده والقدرة لا توقع إلا ما أراد وقوعه وتعلقات هذه الصفات إذا توافقت على الوجه الذي ذكرناه حصل الوجود لا محالة من غير تغيير يحصل في الموجد وإنما يتعذر تصور هذا المعنى علينا لأنا لم نحس من أنفسنا إيجادا وإبداعا ولا كانت صفاتنا عامة التعلق فعلمنا إذا لم يتعلق إلا بمعلوم واحد ولم تتعلق إرادتنا إلا بمراد واحد ولا قدرتنا إلا بمقدور واحد لا على سبيل الإيجاد ولن يتصور بقا صفاتنا لكونها إعراضا فيتقاضى عقلنا وحسنا حدوث سبب لحدوث أمر حتى لو قدرنا علما وإرادة وقدرة لها عموم التعلق بمتعلقات لا تتناهى على معنى صلاحية كل صفة لمتعلقها وقدرنا صلاحية قدرتنا للإيجاد وقدرنا بقا الصفات فعلمنا وجود شيء بقدرتنا وإراداتنا في وقت مخصوص ودخل الوقت لا نشك أن الشيء يقع ضرورة من غير أن تتغير ذاتنا أو يحدث أمر أو سبب لم يكن وهذا كما يقدره الخصم في العقل الفعال وفيضه فإنه يقول هو عام الإفاضة واهب للصور على الإشاعة من غير تخصيص ثم يثبت له نوع خصوص بالإضافة إلى القوابل والشرايط التي تتكون فتحصل استعدادا في القوابل فيختص الفيض بقابل مخصوص على قدر مخصوص فخصوص الفيض بسبب خارج عن ذات المفيض لا يقدح في عموم الفيض باعتبار ذاته على أن الإيجاب الذاتي عند الخصم فيض ذاتي هو وجود عام لا خصوص فيه ولكنه إنما يفيض منه واحد ثم من الواحد يفيض عقل ونفس وفلك ومن كل عقل ونفس عقل ونفس حتى ينتهي بالعقل الأخير ثم يفيض منه الصور على الموجودات السفلية وتنتهي بالنفس الناطقة.
فنقول ما الموجب لحصر الموجودات في هذه الذوات ولا خصوص في الفيض وإن تناهي الموجودات عددا ومكانا كتناهي الموجودات بداية وزمانا.
فإن قلتم أن الخصوص عندنا يرجع إلى قبول الحوامل فيقدر الفيض بمقدارها.
مخ ۱۵