11
ومرد العجب في هذا إلى ما يعرفه الجميع عن نيتشه من تعلق بالنزعة إلى اللامعقول، ومن نقد للاتجاهات العقلية الخالصة، وإيثار للمشاعر على العقل في كل تفسيراته، ولكن تعلقه بكل ما هو يوناني هو الذي يجعله يأخذ على المبادئ المسيحية (المضادة للمبادئ اليونانية) صفات كانت أخص ما يميز فلسفته هو ذاته.
وهو يحمل بوجه خاص على فكرة الخطيئة في المسيحية؛ فالإنسان والطبيعة أبرياء، والخطيئة وهم ناشئ عن انحراف نفسي، ورغبة شاذة في معاقبة الذات وتأنيبها، والحس هو المجال الطبيعي لممارسة القوى الإنسانية. وليس فيه ما يحط من قدر الإنسان في شيء.
والذي لا شك فيه هو أن نقد المسيحية كان عند نيتشه مقدمة عقلية أساسية لا يفهم تفكيره بدونها، بل كان هو الهدف الرئيسي الذي تتجه إليه فلسفته بأسرها.
12
ولسنا نود أن نطيل الحديث في علاقته الخاصة بشخصية المسيح، فقد كان في كثير من الأحيان يحمل على تلك الشخصية حملة شديدة، ينتهي فيها إلى أن المسيح لم يسر في الطريق الذي اتخذه لنفسه إلا لأنه قد أساء فهم دوافعه النفسية، وذلك هو ما أدى به إلى الشعور بالحاجة إلى الخلاص، ولو أحسن فهم تلك الدوافع، وتخلص من أخطائه الذهنية والنفسية، لما كان مسيحا على الإطلاق.
13
على أن نيتشه يخفف في بعض الأحيان من حدة لهجته، ويبدو مدافعا عن المسيحية في صورتها الأصلية كما أتى بها يسوع المسيح، مؤكدا أن النظام الذي سارت عليه الكنيسة فيما بعد، بما فيه من قساوسة، ولاهوت، وطقوس، هو ما كان يحاربه يسوع بوجه خاص،
14
وهو الذي صبغ المسيحية بالصبغة الحالية التي كانت هدفا لحملاته، وينسب كل هذه التغييرات إلى أصول أخرى تالية، من أهمها القديس بولس.
ناپیژندل شوی مخ