دعوت حقیقت: د هایډجر لخوا د حقیقت په اړه درې متون سره
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
ژانرونه
لنضرب مثلا يوضح هذا، فأنا لا أشعر بالخطر الذي يهددني في العالم الذي أحيا فيه إلا لأن لدي القدرة على الإحساس بالخوف؛ فليس التأثر إذن بالظاهرة المقصورة على الذات وأحاسيسها، وإنما هو أسلوب انفتاح يقربني من العالم ويقرب العالم مني بشتى الصور والأشكال، فهو حينا عالم يهددني بالخطر، أو يستثير مشاعري، أو يملؤني بالغبطة والبهجة أو بالحزن والاكتئاب ... إلخ، إن الحال الوجدانية - أو إن شئت حالة التوجد - هي التي تمكنني دائما من اكتناه حقيقة ذاتي، ولقد أثرت تحليلات هيدجر للوجدانية أو التوجد على علم النفس المرضي، وأفاد منها العالم المشهور لودفيج بنسفانجر في دراسة ألوان العصاب والذهان التي تصيب الموجود البشري، ولم يكن هيدجر أول من انتبه إلى هذه الظاهرة، وإن كان أول من قام بتحليلها تحليلا أنطولوجيا أو وجوديا أصيلا، بعيدا عن القيم النفسية والأخلاقية والدينية، وهو نفسه يتتبع تاريخها الطويل منذ أن تناول أرسطو ظاهرة الانفعال (في الكتاب الثاني من الخطابة) والقديس أوغسطين في كلامه عن الخوف والخطيئة والندم (في اعترافاته ورسائله وكتاباته عن التأويل) ولوثر فيما كتبه عن السخط والندم (في تعليقه على سفر التكوين) وباسكال فيما سجله في خواطره العميقة المفجعة عن عذاب الإنسان ويأسه وكونه ملقى في ركن من هذا الكون الرهيب، وكيركجور في تحليلاته النافذة لظاهرة القلق والتفرقة الأساسية بينه وبين الخوف في معرض حديثه عن الخطيئة الأولى (خصوصا في كتابه مفهوم القلق) وشيلر في دراساته الفينومينولوجية (الظاهراتية) لأشكال الوجدانات وماهيتها، وبخاصة في دراسته للتعاطف، وإن كانوا جميعا - باستثناء شيلر - قد تناولوها من وجهة نظر دينية أو نفسية أو خلقية، ولم يخطوا خطوة حاسمة على طريق المعالجة الأنطولوجية.
ونأتي الآن إلى العنصر الثاني من العناصر التي تكون وجود الموجود- الإنساني وهو التفهم أو الفهم، والواقع أن الوجدانية (التوجد) والفهم كليهما أولي أصيل، وقد رأينا عند الكلام عن الوجدانية أنها تنطوي على الفهم ، وعرفنا أن التأثر الوجداني بطبيعته انفتاح أو تفتح، وبقي علينا أن نعرف أن الفهم حالة أساسية من أحوال الموجود الإنساني، وأن كلمة «الفهم» نفسها ليست مفهوما مضادا للتفسير أو الشرح، ولو مضينا قليلا في تعمق معنى الفهم، باعتباره أحد «وجودات» الموجود الإنساني، لرأينا أنه يكشف عن طابع «المشروع» الذي يشغل مكانا هاما في تفكير هيدجر.
لنقرأ الآن هذه العبارة العويصة قبل التعليق عليها: إن ما يقدر عليه الفهم - بوصفه أحد الوجودات - ليس بشيء أو «ما»، وإنما هو الوجود باعتباره تواجدا، في الفهم يكمن من الناحية الوجودية أسلوب وجود الموجود الإنساني من حيث إنه إمكان وجود أو قدرة على الوجود.
59
كيف يرتبط الفهم بالإمكان أو القدرة؟ إن الفهم - وهو في صميمه انفتاح - يتعلق دائما بتكوين الوجود-في-العالم في مجموعه، وهذا الوجود-في-العالم يكون على الدوام إمكان وجود-في-العالم، والعالم هنا ليس هو مجموع الكائنات الموجودة في داخله، فقد نفينا هذا مرارا، ونستطيع الآن أن نضيف إليه أن الوجود-في-العالم باعتباره إمكان وجود أو استطاعة وجود، هو الذي يحرر كائنات العالم حين يحرر إمكاناتها، عندئذ يكتشف الموجود-في متناول اليد من جهة استخدامه واستعماله أو من ناحية ضرره وأذاه، وعندئذ نفهم ما قلناه من قبل عن حال الوجود في متناول اليد وما جعل له، وما قلناه عن وحدة النسق الارتباطي للأداة وعلاقتها بالمكان والعالم المحيط والنطاق ... إلخ، وأخيرا يمكن أن تكتشف الطبيعة، أو وحدة الموجودات الحاضرة المتنوعة، على أساس انفتاح إمكانياتها.
لكن لماذا يتجه الفهم دائما إلى الإمكانيات، ولماذا يؤثر المقام في بعد الإمكان؟ يجيب هيدجر على هذا السؤال بالإجابة التي ننتظرها فيقول: إن السبب في هذا هو أن الفهم يحتوي بذاته على البناء الوجودي الذي نسميه «المشروع»،
60
فبالفهم يفتح الموجود الإنساني لنفسه مجال وجوده، كما يفتح في نفس الوقت مجال الموجود الذي يلقاه في داخل العالم فيصل إليه ويصبح في متناول يده، والفهم نوعان؛ أصيل وغير أصيل، فهو أصيل إذا نبع من الذات وتطابق معها واستجاب لها ، وهو غير أصيل إذا أدرك الوجود الإنساني من جهة العالم، أي أدركه - كما فعلت الأنطولوجيا التقليدية - على نموذج الموجودات الحاضرة في العالم دون تمييز، والفهم الأصيل وغير الأصيل يمكن بدورهما أن يكونا حقيقيين أو زائفين، فالفهم الحقيقي للعالم يصدر عن الوجود الإنساني صدورا أصيلا، وينمو من خلاله نموا أصيلا، أما الفهم الزائف فهو لا ينمو إلا في إطار رسم له من قبل دون أن يعني نفسه بمناقشته أو يحاول التفكير في أمره.
سبق أن تحدثنا - في معرض الكلام عن عالم الأداة - عن نوع معين من التدبر أو التبصر،
61
ناپیژندل شوی مخ