كان العلاج الوحيد طويل المدى لذلك هو سحب جميع النقود «القديمة» وزيادة كمية النقود «الجديدة» التي تقوم دار سك العملة بإنتاجها زيادة هائلة. وأسفرت «حملة إعادة سك العملة الكبرى» عن عملات موحدة إلى حد كبير ذات حواف واضحة، وجميعها كانت من تصنيع أرقى وأحدث مصانع التصفيح. وعلى الرغم من أن المنصب في السابق كان نوعا ما من الوظائف التي تدر دخلا دون جهد، فقد كرس نيوتن نفسه لمهمة إعادة سك العملات وإنشاء دور مؤقتة لسك العملة في نورج، ويورك، وتشيستر، وبريستول، وإكسيتر؛ لمواجهة القدر الضخم المطلوب من السبائك. وعلى الرغم من الجهد المكثف لهذه الدور، ظل القليل من العملات الفضية في نطاق التداول بحلول تاريخ وفاة نيوتن في عام 1727.
وبصفته أمينا للدار، كان نيوتن كذلك مسئولا عن ملاحقة ضاربي ومقلمي العملة ملاحقة قانونية، والتوصية بإعدامهم إذا بررت جرائمهم ذلك. وكانت ملاحقته للمجرمين بنفس القوة ونفس الأساليب التي استخدمها في ملاحقة محرفي الكتاب المقدس. وقد أجرى تحليلا واسع النطاق لفن وتاريخ تقليم وسك العملة، ودفع الأموال لمن يبلغه أي معلومات، وأرسل للشهود المتعاونين أموالا حتى يستطيعوا الظهور بمظهر لائق في المحكمة. وقد هدد بعض ضاربي العملة المحبوسين بقتله، وفي المقابل أظهر هو قليلا من التعاطف تجاه المجرمين أمثال ويليام تشالونر، الذي لم يجد أذنا تسمع استرحاماته في الأيام التي سبقت صعوده على المشنقة. وفي عهد نيوتن، تضاءلت عمليات التقليم والسك، وانخفض عدد من يعدمون عقابا على هذه الجريمة إلى صفر.
بحلول عام 1698، كان قد اضطلع فعليا بالمهام المنوط بها عادة رئيس دار سك العملة، الذي كان في ذلك الوقت توماس نيل، وخلف نيل في منصبه حين توفي في نهاية عام 1699. وكان رئيس الدار مسئولا عن جودة المعادن في السبائك التي كانت تستخدم لصناعة العملة، وكان مسئولا عن تخطيط الدخل المالي من سك العملة.
كانت معرفته بالعمليات الكيميائية تفيده من آن لآخر في السنوات اللاحقة، خاصة ما يسمى «تجربة العملات المسكوكة»، والتي كانت تختبر فيها جودة عينة مختارة عشوائيا من العملات في مقابل «قطع تجريبية» من العملات بحوزة مجموعة من الصائغين. وفي بعض الأحيان أيضا، كان رئيس الدار يشارك في جلب (وفي حالة نيوتن، تصميم) عملات مسكوكة من معادن مختلفة للاحتفال بالتتويجات الملكية، أو الانتصارات العسكرية.
عاش نيوتن حياة موسرة في لندن، ولكنه أظهر قليلا من الاهتمام بالأدب أو المسرح؛ والواقع أنه أخبر ستوكلي ذات مرة أنه قد شاهد نصف الأوبرا الوحيدة التي حضرها، وإن كان المرء قد يتساءل كيف ظل لهذه الفترة الطويلة في العرض. وظل نيوتن يعمل من وراء الستار كما كان يفعل على مدى عقد مضى، وانتخب كعضو بالبرلمان في عام 1701 وخدم في البرلمان الذي استمرت دورته حتى مايو من العام التالي. وفي مايو عام 1705، ترشح مرة أخرى للبرلمان، بدعم جديد من هاليفاكس، لكنه تعرض لهزيمة مذلة. وكان في لقب الفروسية الذي حصل عليه في الشهر الماضي من الملكة آن - حين توقفت بكامبريدج في زيارة لسباقات الخيل في نيوماركت - بعض العزاء له.
كتاب «البصريات»
ربما كانت وفاة روبرت هوك في مارس عام 1703 هي ما عجلت بانتخاب نيوتن رئيسا للجمعية الملكية - دون إجماع الآراء بالطبع - في نوفمبر التالي. وقد أوقظ ذلك اهتمامه بالفلسفة الطبيعية مجددا لأول مرة منذ سنوات، واستغل الفرصة لإتاحة نظرياته البصرية لقطاع من الجمهور أكبر كثيرا من الجمهور الذي استطاع استيعاب كتاب «المبادئ الرياضية». وصدر كتابه «البصريات» في فبراير 1704، والذي أرفق بنهايته أطروحة «التربيعات» وتحليلا «للخطوط من الرتبة الثالثة».
تألف كتاب «البصريات» بصفة أساسية من مادة قديمة، ولكن حقيقة أنه نشر بالإنجليزية، وتألف في أغلبه من تجارب، وتجنب الرياضيات المبهمة لكتاب «المبادئ الرياضية»، جعلته متاحا لجمهور عريض. وقد احتوى على كتاب جديد، وإن كان قصيرا، عن حيود الضوء، وفي نفس الكتاب (الكتاب الثالث) أدخل نيوتن مجموعة من 16 «تساؤلا» قصيرا ناقشت السمات الأساسية لفلسفته الطبيعية. وصيغت هذه التساؤلات في شكل أسئلة، وصيغت في جزء كبير منها بلغة «التجاذبات» الواردة بكتاب «المبادئ الرياضية»، ومثله، لم يرد فيها مفهوم الأثير. وفي مسودة لمقدمة العمل، ذهب إلى أن المرء عليه أن يشتق ثلاثة أو أربعة «افتراضات عامة مسبقة» من مجموعة كبيرة من الظواهر، ثم يفسر جميع ظواهر العالم في إطار هذه الظواهر. وما لم يبدأ المرء بظواهر ويشتق مبادئ عامة منها، «فقد تصنع منظومة فلسفية معقولة ظاهريا لتصنع لنفسك اسما، ولكن منظومتك لن تكون أفضل كثيرا من قصة عاطفية». وكانت العلاقة بين الضوء والأجسام والتي اتضحت في «التساؤلات» المنشورة بالكتاب مصاغة بوضوح في إطار القوى الصغرى التي تعمل عن بعد، وقد هاجم أي محاولات لتفسير الضوء كتغيرات في «ضغط أو قوة الحركة» في شكل «منظومة من الفرضيات».
غير أن نيوتن حين كتب ذلك، كان يعمل بالفعل على مجموعة جديدة ومثيرة من سبعة تساؤلات، ظهرت بعدها بعامين في الترجمة اللاتينية لكتاب «البصريات». وربما تعد هذه التساؤلات - إلى جانب ثمانية أخرى أضيفت في الطبعة الإنجليزية الثانية الصادرة عام 1717 - أكثر النصوص تأثيرا بالنسبة للكيمياء والفلسفة الطبيعية في القرن الثامن عشر. وقد تحدث هنا أيضا علنا ولأول مرة معيدا إلى الأذهان التحليل الرائع الوارد في أطروحة «الجاذبية»، عن فهمه للطريقة التي ارتبط بها الله بخلقه. ففي التساؤل رقم 20 (رقم 28 في طبعة 1717)، أشار إلى أن الفراغ الشاغر كان أشبه ب «مركز الإحساس» لدى الله، وأن الله كان واعيا بكل شيء يحدث في الكون بنفس الطريقة التي يعي بها البشر الصور التي تدخل إلى عقولهم. وفي مسودة للتساؤل رقم 23 واسع النطاق (رقم 31 في طبعة 1717)، دون أن أفكار الكائن الأسمى «تؤثر على المادة بشكل أقوى من تأثير خيال أم على جنينها». وباسترجاع الملاحظات التوضيحية الكلاسيكية، أخبر نيوتن ديفيد جريجوري أيضا في ذلك الوقت أن الله هو السبب المباشر للجاذبية من خلال وجوده القريب. وقد كان الادعاء الوارد في المسودات بأن الفراغ هو مركز الإحساس لدى الله، أو جسد الله، هو في الواقع بدعة مسيحية قديمة، وعلى الرغم من أن هذا الرأي قد شق طريقه في الأمثلة الأولى للترجمة اللاتينية لكتاب «البصريات»، فقد قام نيوتن في الطبعات اللاحقة بتصحيح الفقرة لتنص على أن الفراغ كان «أشبه» بمركز الإحساس لدى الله.
من خلال تطوير تحليل النسخة المحجوبة من «خاتمة» كتاب «المبادئ الرياضية» - وبالتبعية تطوير أعمال سابقة في الفلسفة والخيمياء - وصفت التساؤلات الجديدة مجموعة من الظواهر الكيميائية التي قام بتجميعها تحت عنوان «عناصر نشطة». وقد جمعت هذه النصوص الرائعة معا الكثير من البرامج البحثية المتفرقة التي عكف عليها على مدى العقود الأربعة الأخيرة. وفي مسودات التساؤل رقم 23 الشامل، أشار إلى أن «التنويع في الحركة (الذي نراه) في العالم في تناقص دائم»، ولا يمكن تعويض ذلك إلا بالعناصر النشطة التي تحدث الجاذبية والظواهر المتعددة المرتبطة بالتخمر والتماسك. كانت هذه العناصر خاضعة لقواعد أو قوانين عامة والتي كانت تمثل «المبادئ الحقيقية للفلسفة الميكانيكية» فادعى نيوتن أننا «نواجه كل حركة بسيطة في العالم، إلى جانب ما يعزو (بشكل جلي) لهذه العناصر النشطة، وقوة الإرادة». وقارن نيوتن في هذه المسودات بين طبيعة الأجسام التي لا تحوي سوى القوة السلبية للقصور الذاتي وبين الطريقة التي يجلب بها «التخمر» والحياة والإرادة، حركة جديدة إلى العالم، مع وصف التخمر بكونه «عنصرا نشطا في غاية القوة يؤثر على [الأجسام] فقط حين تقترب أحدها من الآخر». ومضى يقول: «إننا نجد في أنفسنا قوة تحريك أجسادنا من خلال أفكارنا، ولكننا لا نعرف قوانين هذه القوة». وأضاف معقبا على نحو لافت للنظر «إننا لا نستطيع القول إن كل الطبيعة ليست حية».
ناپیژندل شوی مخ