وعلى مدار شتاء 1685-1686، عمل نيوتن على توسيع كتاب «محاضرات عن الحركة» بتعزيز تحليله لحركات جسم تابع (جسم مجرد ولكنه يحمل خواص مطابقة تقريبا لخواص القمر) واقع تحت تأثير جسمين أو أكثر (مرة أخرى مجردين، ولكنهما يشيران بوضوح إلى الأرض والشمس)، وأضاف فرضية بارعة (هي الفرضية 39) والتي أشارت جليا لدرايته بحساب التفاضل والتكامل. ولا شك أن هذا قد جاء إلى حد ما لتأكيد استقلاليته في تطوير حساب التفاضل والتكامل عن عمل لايبنتز، الذي نشر مسلماته وبديهياته الأساسية لأول مرة في عام 1684. وفي أوائل عام 1686، وسع نيوتن نطاق معالجته للحركات في أوساط مقاومة، وهو التحليل الذي اتسع نطاقه للغاية لدرجة أنه قسمه ليكون نصا أصبح فيما بعد الكتاب الثاني من كتاب «المبادئ الرياضية». فيما أصبح الجزء الأول الذي كان عبارة عن تحليل للحركات في أوساط غير مقاومة، هو الكتاب الأول. وفي النسخة النهائية من الكتاب الثاني، أضاف نيوتن مادة أكثر تعقيدا عن الضغط واللزوجة، قائلا إن وجود الدوامات الديكارتية مستحيل فيزيائيا.
بدأ نيوتن الكتاب الثاني من عمله الصادر عام 1685، والذي ألفه بعنوان «الكون»، بإشارة إلى الفلسفة والفلك اللذين شكلا أساسا لأعمال أفلاطون، وفيثاغورس، والملك الروماني نوما بومبيليوس. فقد قام نوما «بتشييد معبد مستدير تكريما للإلهة فيستا، وأمر بوضع شعلة دائمة من النار في منتصفه» كرمز لشكل العالم الذي تقع الشمس في منتصفه. وكان نيوتن في مجادلته بأنه كان هناك معرفة بالعالم الطبيعي ولكنها أصبحت مفقودة، يحذو حذو غالبية معاصريه. ففي أطروحة ضخمة ترجع لمنتصف ثمانينيات القرن السابع عشر («الأصول الفلسفية للاهوت الوثني»)، ذهب نيوتن إلى أن القدماء كانوا يؤمنون بوجود كون شمسي المركز، ولكن هذه العقيدة فسدت وانحرفت بسبب سوء التأويل. وفيما كان فيثاغورس وآخرون يحملون فهما صحيحا للمعنى الحقيقي للتمثيلات الرمزية لكون شمسي المركز، أحيطت فيه الشمس التي تقع في المركز بمدارات كوكبية متحدة المركز، كان الإغريق أمثال أرسطو يعتقدون أن الجسم المركزي في مثل هذه المنظومة هو الأرض.
وعن طريق أورفيوس وفيثاغورس، تلقى الإغريق فهمهم للعالم الطبيعي في الأصل من الإثيوبيين والمصريين، الذين أخفوا تلك الحقائق عن العامة. وفي هذه الفترة، كانت هناك فلسفة «مقدسة» - لم تكن تنقل إلا لخبراء المجال - وفلسفة «عادية» كان يصرح بها علنا للعامة. فقد قام المصريون:
بوضع الكواكب في الترتيب [الصحيح] بواسطة النغمات الموسيقية؛ وعلى سبيل السخرية من العامة، قاس فيثاغورس المسافات بين أحدها والآخر، والمسافة بينها وبين الأرض، بالطريقة نفسها بواسطة النسب التوافقية في النغمات وأنصاف النغمات - والأكثر عبثا - بواسطة موسيقى الأفلاك.
وفي أطروحة «الكون»، كرر نيوتن نظرية أن المصريين قد عرفوا أن المذنبات كانت عبارة عن ظواهر سماوية، شأنهم في ذلك شأن الكلدانيين، ويمكن التعامل معها وكأنها نوع من الكواكب.
بنى المصريون معابد على شكل النظام الشمسي، واشتقوا أسماء آلهتهم من ترتيب الكواكب. كذلك كانت الديانة القديمة قائمة على فهم السماء، وكان نيوتن يشير بشكل عارض إلى «اللاهوت الفلكي» للقدماء. فإذا أضيفت الكواكب السبعة المعلومة (بما فيها القمر) إلى العناصر الخمسة - الهواء، والماء، والتراب، والنار، والجوهر السماوي - نكون قد توصلنا إلى الآلهة الأساسية الاثنتى عشرة التي كانت مألوفة لجميع الديانات القديمة. فكان نوح هو زحل وجانوس، وكان له ثلاثة أبناء. وقد حذا نيوتن حذو المؤرخين الآخرين في تبني منهج «يوهيميري» والذي اعتبر من خلاله أن الأساطير الوثنية تشير إلى أشخاص حقيقيين قامت الأمم المختلفة بتأليههم تحت أسماء مختلفة. وقد شملت الأدلة على ذلك تشابه الأسماء، لا سيما حقيقة أن أوصاف شخصياتهم وأفعالهم كانت متطابقة بوضوح.
وهكذا كان الجزء الأول من أطروحة «الكون» فرعا لمشروع أكبر بكثير كان العمل جاريا به في الوقت الذي كان يكتب فيه، وتطورت جهود نيوتن الضخمة لتحديد «تلميحات» للفلسفة الحقيقية في الكتابات القديمة بطرق عديدة مختلفة على مدار العقود اللاحقة. ففي عمل صدر بعد ذلك بفترة وجيزة بعنوان «أصل الديانات» - على سبيل المثال - أكد أن قدماء الصينيين، والدانماركيين، والهنود، واللاتينيين، والعبرانيين، واليونانيين، والمصريين، كانوا جميعا يتعبدون وفقا لنفس الممارسات والعادات، فيما كان ستونهنج في إنجلترا يعد معبدا فيستاويا آخر بوضوح. وأضاف نيوتن أن ما من شيء يمكن أن يكون أكثر «عقلانية» من هذا الجانب من الدين: فلم يكن هناك طريقة «خلاف الوحي للوصول إلى معرفة الرب إلا من خلال إطار الطبيعة». وقد استطاع متسلحا بمعرفة الفلسفة الحقيقية أن يسترد الفلسفة المقدسة التي كانت «محجوبة»، فيما كان هذا بدوره بمنزلة ضمان لصحة وصفه للعالم. ومثلما كانت أعماله اللاهوتية تهدف إلى استعادة الدين الحقيقي، كان دائما ما يؤمن بأن أعماله العلمية كانت في الأساس محاولة لاستعادة معرفة مفقودة.
كتاب «المبادئ الرياضية»
بينما كان كتاب «محاضرات عن الحركة» يتعامل مع منظومة رياضية مجردة، تعاملت بقية أطروحة «الكون» مع بيانات ومعلومات عن المد والجزر (استخلصت من فلامستيد في مراسلاتهما في خريف 1685)، وتجارب البندول، والقمر الحقيقي، وظواهر أخرى من العالم الواقعي. ومن خلال مقارنة تلك الظواهر بالعالم الرياضي حسبما وصف في كتاب «محاضرات عن الحركة»، استطاع نيوتن أن يؤكد أن القوانين التي تسري في العالم المجرد تحكم أيضا الظواهر التي تحدث في عالمنا. غير أنه في تلك المرحلة لم يتوفر لديه بيان كاف عن المذنبات من أجل الكتاب الثاني، وعمل بكد على مدار شتاء عام 1685-1686 لتقديم هذا البيان.
اكتمل الجزء الأخير من كتاب «المبادئ الرياضية»، الكتاب الثالث، في بدايات عام 1687، وتناول النظام الفعلي للعالم. فأثبت نيوتن - من خلال مبادئ أساسية ومن خلال معلومات فلكية وفيزيائية - أن الأرض مسطحة عند القطبين (أي كانت كروية مفلطحة). وأخيرا أوضح كيف تمكنت فيزياؤه من تفسير حركة المذنبات، والتي يمكن التعامل مع مدارتها كقطوع مكافئة قريبة من الشمس والتحقق منها من خلال قياسات دقيقة، على الرغم من أن البحث عن مظاهر جزئية للمذنبات لها لمحات مشابهة ربما يظهر أنها دورية ومن ثم قطوع ناقصة. وقد أدرج نيوتن بعض الفقرات الرائعة عن وظيفة المذنبات. فمع اقتراب هذه المذنبات من الشمس، كانت أذنابها تتجدد بواسطة مادة شمسية، تقوم بدورها بتجديد السوائل التي تمنح البقاء للأشياء الحية كلما مر الكوكب عبر الأذناب. وأضاف نيوتن أن أنقى جزء من الهواء - والذي يدعم الحياة بأكملها على الأرض - يأتي أيضا من المذنبات. ومن الواضح أن هذا كان نسخة ممتدة من النظام الدوري الأرضي الموصوف في أعماله الخيميائية الفلسفية في سبعينيات القرن السابع عشر.
ناپیژندل شوی مخ