لم تخف على هوك نبرة التوبيخ، وقد أشار في خطاب لأحد كبار أعضاء الجمعية الملكية إلى أنه منذ ذلك الحين أجرى مزيدا من التجارب بالموشورات والحلقات الملونة، كما اقترح نيوتن، إلا أنه ظل غير مقتنع بنظرية نيوتن. غير أنه أضاف أنه يعتذر إذا كان نيوتن قد شعر بالإساءة مما كتبه، إذ إنه لم يعن به شخصه على الإطلاق. وشدد هوك على أن لديه أدلة مقنعة تثبت صحة آرائه، وأنه بالفعل قد أجرى تجارب على انكسار الضوء أظهرت أن الضوء بالفعل - في ظل ظروف معينة - ينتشر في مساحات «ظليلة». وأبدى أسفه لغموض فرضياته، على الرغم من أنه أشار في سخرية إلى أنه لم «يشكك قط» في قدرة نيوتن على تفسير كيفية احتفاظ الأشعة الأولية بقابليتها الثابتة للانكسار بعد الانكسار، ثم جعلها تتجمع مجددا «وتتحد في أشعة واحدة، ثم يفترق كل جزء مجددا ويواصل طريقه مباشرة ودون أي معوقات وكأنها لم تلتق من قبل قط». ربما يكون نيوتن قد استوعب ذلك، ولكن هوك لم يستوعبه، مثلما لم يستوعب أيضا لماذا كان نيوتن يخشى الإفصاح عن الماهية الحقيقية لشعاع الضوء.
أرسى رد هوك - المتمسك بوجهة نظر تذهب إلى أن التفسيرات الفلسفية يجب أن تشير إلى أسباب مادية ملموسة - نموذجا للطريقة التي استوعب بها الفلاسفة الطبيعيون نظام نيوتن فيما بعد. وفي أوائل العام اللاحق، أعاد كريستيان هويجنز إثارة الفكرة التي طرحها هوك ومفادها أن هناك عددا محدودا من الألوان الأساسية يمكن منها تكوين جميع الألوان الأخرى. وصرح أيضا أن نيوتن لم يلتزم بالعقيدة الأساسية للفلسفة الميكانيكية، تحديدا أنه ملزم بوضع فرضية مادية تفسر الألوان الموشورية المختلفة. وعلق هويجنز أنه حتى قيامه بذلك «لم يعرفنا من أين تشكلت طبيعة الألوان واختلافها؟ بل أطلعنا فقط على تلك الظاهرة (المهمة للغاية) الخاصة باختلاف درجة قابليتها للانكسار».
يبدو أن تلك كانت هي القشة الأخيرة بالنسبة لنيوتن، الذي أخبر أولدنبرج برغبته في الاستقالة من الجمعية الملكية؛ لعجزه عن إفادتهم بسبب «بعده» عن لندن. في الوقت نفسه، أخبر كولينز أنه لاقى بعض «الفظاظة» من جانب أعضاء الجمعية، وهو التعليق الذي بلغ إلى مسامع أولدنبرج. فأخبر سكرتير الجمعية الملكية نيوتن أن كل جماعة بها من يثير المشاكل، في إشارة إلى هوك، و«أن الهيئة بوجه عام تكن لك التقدير والحب».
على الرغم من ذلك، أرسل نيوتن ردا عاصفا لهويجنز، فقال إنه من المستحيل أن تستخرج ألوانا موشورية من الأصفر والأزرق، ولا يمكن تصور كيف يمكن لظواهر الضوء الأساسية أن تكون ناتجة عن نوعين فقط من الأشعة. وعلى الرغم من أنه قد ذكر الحقيقة في بحثه الأصلي، فقد أدى تعليق هويجنز إلى إجبار نيوتن على تكرار القول بأن الأشعة البسيطة والمركبة قد تبدو متماثلة، ولا يمكن تمييزها إلا بالتجربة. فإذا كان «يمكن» استخراج الضوء الأبيض من شعاعين ملونين فقط، فهذا يعني أن الأشعة مركبة بالفعل وليست أولية. وكأن الأسلوب لم يكن فظا بما يكفي، قال نيوتن بأسلوب فظ ومتعال إنه كان واضحا للغاية «أنني أرى أنه لا يمكن أن يكون هناك مزيد من الحيرة، خاصة لمن يعرفون كيف يبحثون ما إذا كان اللون بسيطا أم مركبا، ومن أي ألوان يتألف».
وعلى الرغم من إخبار أولدنبرج له أن نيوتن رجل يتسم بقدر كبير من الإخلاص وسلامة النية، فقد غضب هويجنز من موقف نيوتن، مشيرا إلى أنه لا يرغب في التنازع مع نيوتن إذا كان يدافع عن نظريته بمثل هذا الانفعال. غير أنه تكرم بإرسال نسخة من كتابه «الساعة الاهتزازية» إلى نيوتن. وشكره نيوتن على كتابه، الذي كان مليئا «بالتأملات البارعة والمفيدة» (مثل معادلة القوة الطاردة المركزية)، ولكنه رد على نقد أسلوبه بقوله إن الأمر كان «مزعجا» فيما يبدو؛ أن يواجه باعتراضات أجاب عنها بالفعل. وكرر على أولدنبرج - في خطاب احتوى رده على هويجنز - نيته «ألا يهتم مجددا بأمور الفلسفة».
واصل نيوتن مراسلة كولينز وغيره من علماء الرياضيات على فترات متقطعة، مناقشا معهم تقنيات مختصرة لتسهيل إنشاء جداول اللوغاريتمات، والأرقام التربيعية، والجذور التربيعية والتكعيبية. ولكن في تلك الفترة تكالبت عليه موضوعات أخرى واقتحمت حياته. وفي أواخر عام 1674، وجد نفسه في مواجهة الحاجة لأن يرسم كاهنا، ومن ثم تأكيد التزامه نحو عقيدة الثالوث القدوس من أجل الاحتفاظ بعضويته للكلية. ولأسباب سأذكرها في الفصل التالي، لم يعد هذا ممكنا، وفي يناير من العام اللاحق، ألمح لأولدنبرج أنه على وشك فقدان منصبه في ترينيتي. ولكن بعد رحلة إلى لندن في أواخر فبراير لمقابلة مسئولين حكوميين رفيعي المستوى، تلقى نيوتن إعفاء خاصا يمكنه من الاستمرار كعضو بالكلية دون الترسيم كاهنا في ربيع 1675. وربما كان دعم بارو (الذي كان قد أصبح أستاذا بالكلية) عنصرا أساسيا في نجاحه.
أيام غائمة وموشورات سيئة
في الوقت الذي اعتقد فيه نيوتن أنه قد تخلص من التصارع والتشاحن في الساحة العامة، بدأت جولة جديدة من المراسلات لتعيده إليهما تارة أخرى. فقد شن نقد من فرانسيس لينوس - بالكلية اليسوعية بمدينة لييج - نوعا جديدا من الهجوم على نظرية نيوتن، واصله الزملاء نيابة عن لينوس عند وفاته في عام 1675. عني هذا النقد بالصعوبة العملية للاتباع التفصيلي للتعليمات المتعددة التي قدمها نيوتن في أبحاثه، وكذا صعوبة تحقيق النتائج التي قال إنها ستنشأ عن ذلك. وكان نيوتن قد تنبأ إلى حد ما بمثل هذه المشكلات، التي كانت جزءا أصيلا من منهجه الرياضي، حيث التعامل مع موقف أو موقفين تجريبيين يتسمان بالتجريد والمثالية بدلا من التعامل مع مجموعة من التوصيفات المفصلة للعديد من التجارب ذات الصلة. وعندما أرسل إليه أولدنبرج بعض الاستفسارات التي صاغها أعضاء الجمعية الملكية ردا على بحثه الأول عن الضوء والألوان، اعترف نيوتن بأن شرحه كان مبهما، وأن توصيفاته ربما كانت لتصبح أطول وتحتوي على المزيد من المخططات البيانية، لو كان يعتزم نشرها.
تضخمت المشكلة مع لينوس في المراسلات اللاحقة مع زميليه بالكلية اليسوعية، جون جاسكوينز وأنطوني لوكاس. فعلى الرغم مما بدا من أن عددا من الفلاسفة الطبيعيين البريطانيين قد أعادوا إجراء معظم تجارب نيوتن دون مواجهة الكثير من الصعاب، فقد أثبتت المراسلات مع اليسوعيين مدى الصعوبة التي واجهها بعض من الفلاسفة النوابغ في تكرار تجاربه، أو حتى فهم فكرتها. ومن جانبهم، كان اليسوعيون يعتقدون أنهم يتبعون عقائد ومبادئ الجمعية الملكية في تمسكهم بأن المعرفة العلمية لا يمكن بناؤها إلا تدريجيا، من خلال إجراء عدد من التجارب المختلفة التي تلقي الضوء على مختلف جوانب النظرية. ولما كانت نظرية نيوتن جديدة للغاية - بحسب قولهم - فقد كان عليه مسئولية إثباتها. فقال نيوتن، الذي شعر أن اليسوعيين يهاجمون أمانته وكفاءته على نحو صريح، بأن تجربته الحاسمة «وحدها» كافية لإثبات صحة نظريته. وراح ينتقد اليسوعيين لعدم اتباعهم تعليماته، وعجزهم عن قياس الانكسارات بالدرجة المطلوبة من الدقة (بالدقائق وليس بالدرجات فحسب)، واستخدام موشورات غير ملائمة، واعتمادهم على شواهد للمحاولات التجريبية اندثرت منذ زمن.
في وقت ما من عام 1677، قرر نيوتن مجددا نشر عمله في مجال البصريات (ربما مع عمله عن المتسلسلة اللامتناهية)، والذي يتألف من مزيج من محاضراته في البصريات ومراسلاته المنشورة. وقد نقشت صورته لوضعها في صدر كتاب بريشة الفنان ديفيد لوجان في مارس من ذلك العام، ولكن الأمور لم تسر حسب الخطة الموضوعة. وفي فبراير من عام 1678، طلب نيوتن من لوكاس نسخة من خطاب سابق (يعود إلى أكتوبر 1676) أرسل إليه من الكلية اليسوعية، وفقده نيوتن في حريق نشب مؤخرا وقتئذ ودمر الكثير من أبحاثه وأوقفه عن مباشرة العمل الذي خطط له. وبالمصادفة، كان لوكاس قد تلقى تصريحا من نيوتن قبل شهرين بنشر الخطاب نفسه في دورية «المعاملات»، ونقل إلى نيوتن عن طريق روبرت هوك، أحد أفراد السكرتارية الجدد للجمعية الملكية بعد وفاة أولدنبرج مؤخرا. غير أن نيوتن أدرك بطريقة ما أن النسخة التي أرسلها هوك إلى دورية «المعاملات» كانت مختلفة بعض الشيء عن النسخة الأصلية. وفي خطاب أخير للوكاس في مارس عام 1678، صب نيوتن وابلا من الإهانات على مستوى العلم المقدم في خطابات لوكاس السابقة. وبينما كان على شفا انهيار عصبي، وصف لوكاس و«أصدقاءه» بأنهم يحيكون مؤامرة يسوعية ضده. فقد كانوا «يجرونه» إلى نزاعات علنية، وهو أكثر شيء كان يمقته. وأخبر نيوتن لوكاس أنه كان يرى أن معظم أفكاره «واهية» ولذا لا يمكن الاعتراف بها، بينما هناك «أسباب متعقلة أخرى» تفسر عدم رغبة نيوتن في «المجادلة» معه. ومع ذلك، فإذا كان النزاع العلني مع اليسوعيين غير مستساغ، فقد كان هناك اهتمامات أخرى لشغل وقته.
ناپیژندل شوی مخ