أو أحيانا إذا ظهر، ظهر على هيئة ... هيئة بطاقة، تنكر آخر، لم لا يكون طبيبا أو طبيبة أو إمعانا في التنكر معالجة سيكولوجية؟
لحظة، جزء من لحظة، فاصل حاد كنصل الموسى، بين طفل كان مدرس العربي يخبطه على رأسه المحلوقة ويقول له: اقعد يا أصفر يابو علة. ومدرس الرسم يعلق رسوماته في الفصل شهرا ليسخر من بشاعتها التلامذة والمدرسون وحتى عم رجب الفراش. تلميذ كانت تقول عنه امرأة أبيه: لو نفعت أبقى أحلق مقصوصي. من بذور حشائشه تنمو هلعا ورعبا وخوفا من الأشجار العالية المنقبة الباسقة، فتتسلل متخفية تحت الأرض، وإذا واتتها نوبة جرأة عاتية وتغلبت على خجلها وترددها تظل ترتعش من الحشرات والديدان وأبو قردان، وإذا كبرت حصدها الموت المبكر أو حفر قنال السويس، أو حرب يساقون إليها بلا محاولة واحدة لشرح كنهها أو أحيانا بمجرد الجري وراء الأوتوبيس، حشائش كانت أجياله وأجيالنا، مجرد مرعى للثيران، مزود للأحصنة والحمير، وطعام للخرفان والديكة التركية المنفوخة.
وهو وحده مع امرأة كهذه من «حضارات متقدمة كونية» تفخر أنها بغي، لا ذرة واحدة من الخجل أو التأنيب. هو الخجول؛ لأنها لا تخجل لا منه ولا من مهنتها ولا مما فعلته معه، ولا حتى لكونها في النهاية تفعل هذا كله وهي طبيبة معالجة، يسمونها في بلاده قلة أدب، وعيب وعيون فاجرة يندب فيها الرصاص، يسمونها كذا وكذا وكذا ...
ولكن للقواعد شواذها، وهو الذي بدأ حشيشا متخفيا في الأرض تجاسر ورفع ذرات التراب وأكوام الطين، وشق برأسه السطح، قاوم الشجر السامق واعتلى جذوره ثم سيقانه ثم استقل لتصبح له أساساته ويستقيم وتستطيل جذوعه، ولا يمضي طويل وقت حتى يصبح أطول من الكافور وأشد استقامة وأوراقه أحد من أوراق الصنوبر.
وفي الرحلة من تحت الأرض إلى فوقها، إلى متسع السماء، إلى الهيمنة على الغابة ركبته الأمراض والعلل، وكادت الجذوع الضخمة تقتله خنقا؛ فإذا نجا منها نالته الأعشاب المحلية المتطفلة، وهزم السامق والمتطفل والزاحف والقاهر والظافر، وحفر الأرض وشق الهواء وأصبح أطول سار لأكبر سفينة، وعدى البحر وخاض المعارك وأفرج عن الأسرى واحتجز السبايا من الملكات إلى الجاريات ليصبحن حريمه. بقوة خارقة كامنة فيه فعل هذا كله، بساعده الأيسر والأيمن والأوسط والأعلى والأسفل، أتخيفه بعد هذا امرأة؟!
ولكنه فعلا خائف، لأول مرة خائف.
حتى لو كانت مومسا بكارنيه طبيبة، أو طبيبة بكارنيه ضابط بوليس آداب.
فهو خائف.
فهم لم يأتوه هذه المرة بمن على شاكلته أو هواه.
ولكنهم جاءوا له بنقيض.
ناپیژندل شوی مخ