د معرفت نظریه او د انسان طبیعي حالت
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
ژانرونه
وتبعا لهذا الرأي الذي نقول به يكون هيوم قد اعترف بأن أي موقف نتخذه في مسألة وجود العالم الخارجي إنما هو موقف تفسيري فحسب، وبأننا في الميدان العملي لا نثير هذا السؤال على الإطلاق. وهكذا كان هدفه يتجه إلى البحث في «أسباب» الاعتقاد، أي إلى بحث تفسيري لا يؤثر في المواقف العملية، ومما يؤيد هذا الفهم لرأي هيوم كل التأييد ذلك النص الذي يتعرض فيه هيوم لمسألة الاعتقاد بالوجود المستمر للأشياء، فيقول: «ولنبدأ بأن نلاحظ أن الصعوبة في هذه المسألة لا تتعلق بالأمر الواقع، أو بما إذا كان الذهن يستخلص مثل هذه النتيجة المتعلقة بالوجود المستمر لإدراكاته، وإنما تتعلق المسألة بالطريقة التي تستخلص بها هذه النتيجة، والمبادئ التي تستمد منها، فمن المؤكد أن البشر كلهم تقريبا - بل والفلاسفة أنفسهم - ينظرون إلى إدراكاتهم، خلال الجزء الأكبر من حياتهم، على أنها هي ذاتها موضوعاتها، ويفترضون أن ما يتمثل للذهن هو ذاته الجسم الحقيقي أو الوجود المادي.»
6
وإذا كان هيوم قد تحدث هنا عن البشر كلهم «تقريبا» - والفلاسفة أنفسهم «في الجزء الأكبر من حياتهم» - على أنهم يتصرفون عمليا حسب الموقف الطبيعي، فلنضف إلى ما قاله أن هذا ينطبق على البشر كلهم بلا استثناء أي بكل ما فيهم من فلاسفة، وذلك خلال حياتهم كلها، باستثناء لحظات التأمل المنعزل في العالم من وجهة النظر المثالية (لأن التفكير في حوار أو في محادثة يفترض وجود الأذهان الأخرى، وبالتالي وجود حقيقة خارج الذهن الفردي)، والتأمل المنعزل - على أية حال - لا ينتمي إلى التصرفات العملية. •••
ولنتأمل طبيعة «الفلسفة الترنسندنتالية» كما عرضها كانت، في ضوء رأينا القائل بأن المثالية مجرد لغة أو نظرة تفسيرية لا تؤثر في الواقع كما نتعامل معها عمليا، فالفلسفة الترنسندنتالية - حسب تعريفها - تبحث في «شروط إمكان المعرفة»، ومعنى ذلك أنها محتوى المعرفة ذاته لا يمس في هذه الفلسفة، بل يدور البحث كله في «شكلها» أو الشروط الممهدة لها، فالكرسي الذي أدركه يظل على ما هو عليه في كل الحالات، سواء نظرت إليه من وجهة النظر الطبيعية أو الترنسندنتالية، وفهمي له وتصرفي إزاءه لا يتأثر على الإطلاق، وإنما تنحصر المسألة كلها في تحديد الشروط التي جعلت معرفتي له ممكنة، وحتى حين يتم الوصول إلى أن هذه الشروط ذاتية فلن يتغير شيء على الإطلاق، بل ستتغير «اللغة» التي فسرته بها فحسب، وليس هذا ما يحدث في حياتي الفعلية: فعندما أكتشف مثلا أن ما ظننته شبحا هو قط أسود يتغير تصرفي الحالي، فينعدم الخوف الذي كان يلازمني، وأستطيع أن أقترب من هذا القط وألمسه إلخ، وإذا اكتشفت أن ما أظنه نارا مشتعلة تحول بيني وبين السير إلى الأمام هو مجرد خيال أثارته حالتي المرضية، فسأتابع سيري إلى الأمام، ويتغير سلوكي إزاء الموضوع تغيرا أساسيا، أما في حالة اهتداء كانت إلى أن شروط المعرفة ذاتية فإن شيئا لا يتغير على الإطلاق، ويظل كل شيء على ما هو عليه، ولقد كان كانت ذاته هو الذي أكد أن مثاليته لا تؤثر في وجود الأشياء، ولا تؤدي إلى القول بأن الطبيعة كلها خداع شامل، بل تؤكد فقط أن تمثلنا الحسي للأشياء يتم عن طريق الزمان والمكان، وهما مجرد طرق للتمثل، لا أشياء أو تحديدات كامنة في الأشياء ذاتها،
7
بل إن كانت لينتقد ديكارت لشكه في وجود الأجسام خارجنا، وكل ما في الأمر أنه يود أن تفهم كلمة أجسام بمعنى «ظواهر» لا أشياء في ذاتها، وأن تفهم كلمة «خارجنا» بأنها تعني الوجود في المكان لا خارج أفكارنا،
8
وهكذا فكل ما تؤدي إليه مثالية كانت هو الحديث عن الأشياء الخارجية بلغة «الظواهر»، و«صور الحساسية أو الذهن» بدلا من لغة الأشياء في ذاتها أو الوجود خارج الذهن.
وهذا هو الفارق الأساسي بين «الانقلاب الكبرنيكي» الذي أحدثه كانت في الفلسفة وبين الانقلاب الكبرنيكي الحقيقي، فقد بدا في وقت ما أن نظريات كبرنك لم تحدث تغييرا فعليا في علاقة الإنسان بالكون، وإنما هي «تفسير» مخالف لما كان سائدا قبلها فحسب، أي إن علاقة الأرض بالشمس والمجموعة الشمسية والكواكب هي على ما هي عليه، وتنبؤاتنا الفلكية مستمرة كما هي (إذ كانت التنبؤات الخاصة بالكسوف والخسوف ممكنة بدقة في ظل النظام البطليموسي)، ولكن تفسيرنا للظواهر هو وحده الذي اختلف، ومع ذلك فمما لا شك فيه أن كل التطورات العملية التالية قد أيدت رأي كبرنك، وأصبحت المسألة في وقتنا الحالي تزيد على مجرد فرض تفسيري، وأصبح القول بأن الأرض هي الثابتة متعارضا مع عدد هائل من الوقائع العلمية المؤكدة، وهكذا أصبح الانقلاب الكبرنيكي - في ميدان الفلك - يمثل تغييرا نظريا وعمليا في الآن نفسه، ويؤدي إلى اختلاف أساسي في طريقة تعاملنا مع موضوعات علم الفلك، أما في ميدان الفلسفة، فماذا كان ذلك «الانقلاب الكبرنيكي» الذي أحدثه كانت في نظرية المعرفة، حين جعل الأشياء تدور حول الذات بدلا من أن تدور الذات حول الأشياء؟ لا شيء من وجهة النظر الفعلية، فلم يطرأ على موقف الفلاسفة أو العلماء أو الناس العاديين من العالم الخارجي تغيير، ولم يحدث في «محتوى» معرفتنا بذلك العالم أدنى تحول، ولم تكن المسألة - كما قال كانت ذاته، وكما أشرنا من قبل - إلا «فرضا» نجرب به طريقة أخرى لتفسير الأشياء: فرضا نجرب به المنهج - الذي أدى إلى جعل الرياضة والطبيعة علمين دقيقين - على الميتافيزيقا وعلى نظرية المعرفة بوجه خاص، «فقبل الآن كان الفرض السائد هو أن معرفتنا ينبغي أن تطابق الأشياء، ولكن كل محاولة لتوسيع نطاق معرفتنا بالأشياء عن طريق إيجاد شيء متعلق بها «أوليا» - بواسطة التصورات - كانت تنتهي على أساس هذا الفرض إلى الإخفاق؛ لذلك كان من واجبنا أن نرى إن كنا نحرز نجاحا أعظم في ميدان الميتافيزيقا إذا افترضنا أن الأشياء ينبغي أن تتفق مع معرفتنا.»
9
ناپیژندل شوی مخ