د معرفت نظریه او د انسان طبیعي حالت
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
ژانرونه
غير أن هناك فئة أخرى من النقاد تتخذ الموقف المضاد، فتحاسب العلم على عجزه عن تقديم وصف كامل لجميع أوجه الموقف الطبيعي، وهو خطأ لا يقل في نظرنا عن الخطأ السابق .
ففي كتاب «العلم والواقع» يقول «برونر»:
إن أي اختلاف عددي لا يصل أبدا إلى إيضاح كنه اختلاف الألوان ... وإن العلم إذ يقتصر على معالجة العالم من ناحيته القابلة للعد، إنما يختار سبيلا يؤدي إلى تضييق نطاق اتصاله بهذا العالم ...
ونتيجة ذلك أن الفيزياء ناقصة على الدوام، ما دامت نظرتها إلى الشيء عاجزة عن كشف الشيء ذاته لها ...
28
مثل هذا النقد - الذي يعد محور كتابات فيلسوف مثل برجسون - يحمل على العلم؛ لأنه لا يقدم للعالم صورة عينية ملموسة كتلك التي تجلبها لنا حواسنا، وهذا أيضا خطأ ناتج عن الخلط بين وظيفتي الموقف الطبيعي والموقف العلمي، فليس من شأن الموقف العلمي - على الإطلاق - أن يقدم عن العالم تلك الصورة التي نحتاج إليها في سلوكنا اليومي بما فيها من كيفيات عينية.
ولعل هذه الأمثلة المختارة من مفكرين ذوي اتجاهات مختلفة كافية لإيضاح ما نقصده بفكرة الفصل بين المجالين العلمي والطبيعي، فمهمة العلم الأساسية هي تقديم تفسير للظواهر يؤدي إلى «فهمها» وكشف قوانينها العامة، وهو في سبيل ذلك يتبع منهجا يؤدي به إلى رد المركب إلى البسيط، وإحالة الكيف إلى الكم كلما أمكن ذلك، أما الموقف الطبيعي فهو تعبير عن نظرتنا إلى العلم كما نسلك فيه عمليا على نحو يفي بمطالبنا الحيوية، ومن هنا كان هذا الموقف يبقي بالضرورة على اختلافات الكيفيات ولا يحاول على الإطلاق ردها إلى نسق كمي مطرد، فالألوان التي يردها العلم إلى موجات، والتي لا يختلف الواحد منها عن الآخر إلا كميا، هي ظاهرة أساسية من وجهة النظر الطبيعية، والاختلاف الكيفي بين اللون يؤدي في ذلك الموقف وظيفة أساسية: فالتمييز بين الأبيض والأسود لا غناء عنه لإمكان الإبصار، وبالتالي إمكان السلوك العملي وتجنب العوائق، والتمييز بين الألوان الأخرى يؤدي وظيفة أساسية في تذوقنا الفني لموضوعات الإبصار، والتمييز بين الأصوات لا بد منه للتعامل مع الناس ومع البيئة الطبيعية إلخ ...
وهذه التفرقة الواضحة بين وظيفة الموقفين هي وحدها الكفيلة بحفظ حقوق كل منهما كاملة: إذ تؤدي إلى الدفاع عن موقف الإنسان الطبيعي ضد الاعتقاد بإمكان تغلغل الصورة العلمية للعالم في جميع المجالات، وإلى الدفاع عن العلم في الآن نفسه من تهمة العجز عن تقديم صورة «عينية» كاملة للعالم.
الفلسفة والموقف الطبيعي
انتهى بنا بحثنا السابق إلى النتيجة الهامة التالية، وهي أن الموقفين: الطبيعي والعلمي كانا غير واضحي التميز في الفكر القديم، شأنه في ذلك شأن كل محاولة مبتدئة، ثم تفرعا بالتدريج بحيث اتضحت خصائص كل منهما ووظائفه وأغراضه الخاصة التي يخدمها، كما انتهى بنا هذا البحث إلى نتيجة أخرى لا تقل عن هذه أهمية، وهي أن هذا التمييز غير واضح في أذهان الكثيرين، بدليل أن الموقف الطبيعي كثيرا ما يلام؛ لأنه يعجز عن تقديم تفسير للظواهر له دقة التفسير العلمي وإحكامه، مثلما يلام الموقف العلمي أحيانا؛ لأن الصورة التي يقدمها عن العالم تفتقر إلى عينية الصورة الحسية المعتادة وثرائها.
ناپیژندل شوی مخ