[توقف أحمد في الأيمان المغلظة]
فكان يأمر بالورع احتياطا أن لا يأتي الشبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه إلا إذا أمره الشارع بالتزوج إما لحاجاته وإما لأمر أبويه فهنا إن ترك ذلك كان عاصيا فلا يترك الشبهة بركوب معصية.
وهذا كما أن رجلا سأله إن أبي مات وعليه دين وله مال فيه شبهة وأنا أكره أن أستوفيه قال أتدع ذمة أبيك مرتهنة يعني أن قضاء الدين واجب وتركه معصية فلا يبقي شبهة بترك واجب.
وكذلك جوابه في الحلف بالنذر وغيره كان يأمرنا بالاحتياط واتقاء الشبهة حيث لا يكون تاركا لواجب أو فاعلا لمحرم.
وكان أحيانا يتوقف في الأيمان المغلظة التي لم يبلغه عنه الصحابة فيها شيء فالحلف بصدقة المال والمشي إلى مكة وجعل ماله في رتاج الكعبة ونحو ذلك لم يتوقف فيه قط.
وأما الحلف بالحج فكان تارة يجزم فيه وتارة يقف فيه أو فيما إذا قال ثلاثين حجة كما اختلف في ذلك كلام الشافعي لأن وجوب الحج آكد من وجوب غيره فإنها كلها تلزم بالنذر.
فالحج يلزم بالشرع أيضا والحج لا يمكن إبطاله بعد الدخول فيه والحج يقدم فيه الأهم فالأهم.
ولو أحرم بحجتين فقد ذهب أبو حنيفة إلى أن الثانية تصير منذورة.
فلما رأى أن أمره أغلظ وعنده في هذه الأيمان شبهة ولم يبلغه عن الصحابة في الحلف بذلك شيء أمسك أحيانا لا لأنه يرى لزوم الحج المعلق فإنه لم يقل هذا قط كما نقل في أحد قولي الشافعي ولم ينقل أحد قط عن أحمد أنه أفتى في شيء من هذه الأيمان بلزوم المعلق ولكن كان يمسك عن الجواب في بعضها والعالم يمسك حتى تزداد المسألة عنده قوة ووضوحا وحتى لا يجترئ الناس على الأيمان ولمصالح أخرى.
فالإمساك عن الجواب ينفي اللزوم وهو غير الإفتاء باللزوم.
مخ ۹۰