وابن الزبير لو كان ما فعله كبيرة من الكبائر لم يجب أن يهجر بعد التوبة وليس هجر المسلم كهجران البقاع فإن هجر المسلم في الأصل محرم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» بخلاف هجران الأماكن فإنه لا يحرم فهذا هو الفرق بين هجر المهاجر من مكة وهجر المكان الذي كان فيه ظلم وهجر المسلم.
مع أن مسألة هجر مكان الظلم قد اختلف فيه أصحابنا على قولين كما هو مذكور في غير هذا الموضع وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لأن (يلج) * أحدهم بيمينه في أهله (آثم) ** له عند الله من أن يعطي الكفارة التي فرض الله».
وهذا هو الذي أنزل الله فيه {2: 224 ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} فإن الرجل يحلف (بالله) *** بعهد الله وبغير عهد الله يعاهد الله أنه لا يفعل برا أو تقوى أو صلاحا وإذا طلب منه فعل ما أمر الله به ورسوله قال حلفت بالله عاهدت الله علي عهد الله فنهاهم الله ورسوله عن ذلك وهذا منهي عنه بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين بل يفعل ما أمر الله به ورسوله من صلة رحم وغيرها فإن كان ذلك واجبا مثل ترك الهجرة الواجبة وجب عليه وإن كان مستحبا استحب عليه**** ويكفر يمينه وليس عليه في ذلك أكثر من كفارة يمين.
وأما معاهدة أحمد بن حنبل أنه لا يحدث أحدا فإنها عنده من باب النذر الذي يتقرب به إلى الله لأنه كان قد رأى أن الخليفة وأعوانه إذا رأوه يحدث العامة قالوا نحن أحق بذلك من العامة وهم إنما أعفوه عن قبول جوائزهم لما عرفوا أنه لا يقبل جوائز غيرهم وإلا فما كان يطيب لهم أن يقبل جوائز العامة ولا يقبل جوائزهم وأحمد رأى أن في مخالطتهم نقصا في دينه في إظهار معصية ولاة الأمر فيما لم يتبين أنه معصية وخروج عما أمر الله به ورسوله من ترك بغضهم إذا لم يأمروا بمعصية فرأى أنه إذا امتنع امتناعا عاما اندفعت هذه المفسدة فنذر ذلك ومعاهدته كانت من باب النذر لا من باب الأيمان.
فإن الناذر أصل قصده عبادة الله وطاعته والتقرب إليه بما نذره والحالف
مخ ۹۹