وحديثًا، الإمام الكامل، الجليل الفاضل، أبو الفضل عياض (١)، ملأ اللَّه تعالى ثراه من رحماه أزاهير رياض. ثم تابعه جماعة اختصروا من مداركه بعض ما تيسر كابن حماد (٢) وابن رشيق وابن علوان (٣)، وغيرهم من فضلاء الأعيان. ثم جاء الإمام العلامة الحافظ القدوة أبو إسحاق إبراهيم بن فرحون المدني، أدخل اللَّه على رمسه الريح الهني، فقطف من كلامه بعض ما ذكر، واستدرك عليه جماعة ممن عنه تأخر، فرتبه على حروف المعجم، وبين فيه بعض من قد يخفى أو يبهم، فهو وإن لم يوف من ذلك مطلوب الغرض، فلقد قام ببعض الحق المفترض.
فما زالت نفسي تحدثني من قديم الزمان، وفي كثير من ساعات الأوان، باستدراكي عليه ببعض ما فاته أو جاء بعده من الأئمة الأعيان، فقيّدت فيه بحسب الإمكان، حين كنت ببلد بعيدة عن نيل المقصد من ذلك، لبعدها عن مدن العلم وكتب هذا الشأن، فقصر بي الحال مع عدم مساعدة الزمان، لما بلينا به من حوادث الوقت وفتنة تشغل عن كل فرض، وترمي بشرر كالقصر في الطول والعرض.
هذا مع أن المجتهد في هذا الغرض مقصر، والطيل مختصر؛ إذ ما يذكر! أقل من معشار ما يغفل، وما ينقل لا نسبة بينه وبين ما يجهل، فبحار المدارك مسجورة، وغايات الإحسان على الإنسان مهجورة، وحسبك في صعوبة الحال إنا لم نجد أحدًا تعرض لجمع ذلك بعد ابن فرحون، أو تصدّى لذلك في جدّ أو مجون، إلا رجلًا واحدًا من أهل العصر، ذكر في مجموع نحو ثلاثمائة رجل، بيّض لتراجم منهم لم يجد لمعرفتهم سبيلًا، ولا ذكر من حالهم كثيرًا ولا
_________
(١) أبو الفضل بن عياض بن موسى اليحصبي، صاحب ترتيب المدارك، انظر ترجمته في: وفيات الأعيان ٣: ٤٨٣، الفكر السامي ٢: ٢٢٣، تذكرة الحفاظ ١٣٠٤، شذرات الذهب ٤: ١٣٨، الإحاطة ٢: ١٦٧، الديباج ١٦٨، معجم المؤلفين لرضا كحالة ٨/ ١٦، والأعلام لخير الدين الزركلي.
(٢) انظر ترجمة ابن حماد في: التكملة ٢ ترجمة ١٦٣٧، وفيات ابن قنفد ٣١١، بروكلمان ٦: ٣٠، الأعلام بتاريخ الإسلام، خ.
(٣) ابن علوان عبد اللَّه بن محمد. ترجمته في: عنوان الدراية ٣١٤، تعريف الخلف ٢: ٢٤١، معجم أعلام الجزائر ٢٤٠.
1 / 28