وليس المحسوس فى النفس شيئا آخر غير الحاس؛ فإنه ليس ثم غير وغير، إنما هى ذات واحدة بسيطة؛ فالحاس منها فى حال حسيته ليس هو غير المحسوس، لأن المنطبع فيها هو المحسوس بعينه، أعنى صورة المحسوس؛ فليس الصورة فيها شيئا آخر غيرها، بل هى فى تلك الحال موجود لذاتها تلك الصورة.
وكذلك معقولها، فإنه ليس غير القوة منها المسماة عقلا، إذ كان معنى قولنا: «محسوس» إنما هو الأشخاص، وقولنا: «معقول»، إنما هو الأنواع وما فوق الأنواع إلى جنس الأجناس، فإن القوة الواجدة المحسوس التى هى مشتركة للحيوان أجمع [هى الواجدة] صور أشخاص الأشياء، أعنى الصور الشخصية التى هى اللونية والشكلية والطعمية والصوتية والرائحية واللمسية وكل ما كان كذلك من الصور ذوات الطين؛ والقوة الواجدة المعقول، التى هى موجودة للإنسان، هى الواجدة أنواع الأشياء وتمييزات أنواعها وما لحقها.
فإذا كان المحسوس موجودا فى النفس، فليس الحاس فى النفس غير المحسوس؛ وكذلك العقل من النفس ليس هو غير المعقول فى حال وجود النفس المعقول؛ فإذن العقل فى النفس هو المعقول، والحس هو المحسوس، إذا كانا موجودين للنفس؛ فأما قبل أن يوجدا، فإن المحسوس هو صور الأشخاص، والمعقول هو صور ما فوق الأشخاص، أعنى الأنواع والأجناس؛ والأجناس والأنواع والأشخاص هى جميع المعقولات، فهى إذا كانت للحاس العاقل، أى موجودة لنفسه، فهى جميعا فى نفسه؛ فلذلك قال أفلاطن إن النفس مكان لجميع الأشياء المحسوسة والمعقولة؛ فإذن النفس علامة بالطبع، لأن العلم أجمع إنما هو للحس والعقل وما جانسهما وعمهما.
مخ ۳۰۲