فإن بارىء الكل، جل ثناؤه، صير للحيوان زمانا للراحة وعمل الآلات والقوى التى للغذاء النامى لجسم الحى، إذ هو متحلل سيال؛ فإنه لا يكمل ما يملأ ويربى جسم الحى، مع ما يسيل منه دائما، إلا ما يشبه الدعة والهدوء والنوم، بالقوة على الهضم؛ فإنه لو لم يكن له راحة نومية تفرغ الطبيعة للهضم بكمال، وتمنعها الانقسام فى قوتها، للحس والهضم، لم يكن قسم الهضم مع استعمال الحس يبلغ ما يملأ ما يفرغ من أعضاء جسم الحى وينفد من قواه؛ ومن الدليل على ذلك أن الذين تبرد قواهم لشدة التعب أو لشدة الاستفراغ بالباه أو الأدوية، يؤمرون بالنوم لتقوى طبائعهم على الزيادة فى الهضم؛ ونجدهم إذا تيقظوا بعد النوم الكائن فى ذلك، تنبهوا، وقد زال عنهم الضعف الذى فعله الاستفراغ والنقص والتعب والأدوية كله أو أكثره، وعادت قواهم؛ وكذلك يعرض لمن دام سهره شدة اليبس وغؤور الأصداغ والعينين ويبس جلدة الوجه على العظم وتقلص الشفتين وجمود الريق، كالذى يعرض لمن استفرغ بالدواء وبالباه، أو فناء الرطوبة الغريزية التى فناها سبب الموت، لقلة ما تقوم به الطبيعة من الهضم مع السهر، إذ قوتها مقسومة للحس ولجميع أفعال النفس، حتى إن من دام سهره، وإن كثر غذاؤه، سريع فناء الرطوبة والموت؛ ومن كثر نومه من الأغذية الموافقة فى إعانة النوم على الهضم، عظم بدنه ورطب لكثرة الغذاء.
مخ ۳۱۰