فبهذا المعنى تضطر النفس إلى الرمز، وهو من التمثيل فى المستيقظ، كما ذكرنا؛ [ف]الحزر، أعنى الظن ذا الطرفين، [هو] الذى يصدق تارة ويكذب تارة؛ فإن الآلة إن قويت على قبول الرمز الصادق خرج الشىء صدقا، كما يفعل الظان ظنا قويا الواقع بحقيقة الشىء، وإن لم يعلم ذلك علما تاما مبرهنا، فإنه لا يقع بحقيقة الشىء؛ فأما الضعيفة فى الظن فكالضعيفة الظن فى اليقظة، فإن كل واحد منهما يوافق الحق تارة ويوافق الباطل تارة؛ فأما إذا ضعفت الآلة عن قبول قوة الرمز الذى هو شبيه قوة الظن جاء الشىء بالضد، فإن الظان أبدا ظنا ضعيفا هو المخطىء، فالضد إذن أبدا حق؛ وهذه هى الرؤيا التى ترى رائيها ضد ما يرى فى منامه، كالذى رأى إنسانا مات، فطالت مدته؛ ورأى إنسانا افتقر، فكثر ماله، وما كان كذلك؛ فأما إذا ضعفت الآلة الضعف الذى لا تقبل معه واحدا من هذه المراتب، فإنه ليس لها نظم يحكى ولا شرائط توافق وتخالف، كالذى يعرض للمختلط المفكر فى اليقظة؛ لأنه ربما أراد أن يؤلف اللفظ فضلا عما لطف من الكلام العام، فيلفظ بنكس القول وتخليطه، وهم الذين تسميهم العامة كثيرى السقط فى اللفظ، كالمحكى عن حمزة بن نصر وذويه؛ وهذه الرؤيا التى على هذا المثال هى المسماة أضغاثا؛ وإنما اشتق لها هذا الاسم من الأضغاث أنفسها، فإن الضغث عضو من شجرة ميتة؛ فإنما هو مشارك للشجرة بالاسم، بالشبه البعيد؛ فكذلك هذه الرؤيا مشاركة للرؤيا المنبئة ، بالاسم، لا بصدق المعنى.
مخ ۳۰۶