قال ضرار بن ضمرة: دخلت على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين، فقال لي: صف أمير المؤمنين. فقلت: اعفني! فقال: لا بد أن تصفه. فقلت: أما إذا لا بد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما خشب، وكان فينا كأحدنا؛ يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه بنا لا نكاد نكلمه؛ هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، ولقد رأيته مرة تحت جنح الدجى يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرى غيري، أبي تعرضت، أم إلي تشوقت؟! هيهات هيهات! قد أبنتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك يسير، وعيشك حقير، آه آه! من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك يا ضرار؟ فقلت: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترفأ عبرتها، ولا يسكن حزنها.
معاوية وعمرو بن العاص وعبد الملك بن مروان
دخل عبد الملك بن مروان على معاوية وعنده عمرو بن العاص فسلم ثم جلس، فلم يلبث أن قام، قال معاوية: ما أكرم مروءة هذا الفتى! قال عمرو: إن أخذ بأخلاق أربعة وترك أخلاقا أربعة: أخذ بأحسن البشر إذا لقي، وبأحسن الحديث إذا حدث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر المؤنة إذا حولف، وترك مشورة من لا يثق بعقله، وترك مجالسة من لا يرجع إلى دينه، وترك مخالطة لئام الناس، وترك من الكلام كل ما يعتذر منه.
معاوية وبكارة الهلالية
دخلت بكارة الهلالية على معاوية يوما وهو بالمدينة، وكانت قد أسنت وغشي بصرها وضعفت قوتها ترتعش بين خادمين لها، فسلمت وجلست، فرد عليها معاوية السلام، وقال: كيف أنت يا خالة؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين. قال: غيرك الدهر. قالت: كذلك هو ذو غير، من عاش كبر، ومن مات فقد، فقال عمرو بن العاص: هي والله القائلة يا أمير المؤمنين:
يا زيد دونك فاحتفر من دارنا
سيفا حساما في التراب دفينا
قد كنت أذخره ليوم كريهة
فاليوم أبرزه الزمان مصونا
وقال مروان: هي والله القائلة يا أمير المؤمنين:
ناپیژندل شوی مخ