كتاب نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة عليهم السلام تأليف أبى جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري من أعاظم علماء الإمامية في المائة الرابعة تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام قم المقدسة PageV0MP001
هوية الكتاب الكتاب: نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة المؤلف: محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام - قم المقدسة -.
برعاية: السيد محمد باقر نجل آية... السيد المرتضى الموحد الأبطحي الطبعة: الأولى العدد: (200) نسخة نموذجيا المطبعة: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام التاريخ: ذو الحجة 1410 ه. ق.
حقوق الطبع: كلها محفوظة للمؤسسة تلفون: 33060 PageV0MP002
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا بلطفه إلى معرفته والايمان به، وعرفنا دينه القويم وكتابه وما أنزله على نبيه صلى الله عليه وآله وحببنا سبيله بجميل إحسانه، وأحيانا على التثبت بحبل أمانته، ووفقنا لخدمة تراث أهل بيت نبيه، وإحياء آثار رسالته.
والصلاة والسلام على من ختم به رسالته، وأكمل به دينه، محمد وآله المعصومين صلى الله عليه وعليهم أجمعين، ورحمته وبركاته المتواصلة على الذين اتبعوهم من المخلصين الأخيار، والموالين للنبي والأئمة الأطهار.
أما بعد: لما كانت المشيئة الإلهية في أن يعمر الأرض ويرثها أفضل خلقه، فقد جعل المولى الحق - وهو الخالق لكل شئ - عبادة الانسان له شرطا لذرئه إياهم فقال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ليكونوا النواة الصالحة للبشرية، والمخلصين لله بعبادته تعالى.
ولما كانت البشرية بحاجة إلى توجيه ورعاية إلهية خالدة، ولئلا تكون لهم الحجة على الله تعالى في معصيته، ولبيان الحقائق الضرورية ومختلف مقومات الحياة، فقد كان على الله تعالى - ومن فضل رحمته على عباده - أن لا يخلي الأرض من خليفة يصطفيه وينتجبه من خيار خلقه، ممن كان طاهر السريرة، عارفا بحقائق الأمور، كفوءا لحمل الرسالة، واعيا لظروف أمته وما تحيط به من السلبيات وشوائب السلف، وخاليا من أية عاهة أو نقص في الجسم والعقل والنسب، لكي لا يكون عرضة للشك والريب، ويستخلفه أمينا على وحيه، حافظا لحدود، متكفلا أداء رسالته مصطبرا على عبادته، صابرا على أذى قومه، يرغبهم في الطاعة ويحذرهم المعصية PageV0MP003
وينذرهم عواقب السيئات بما ينزل عليهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وبما أن هذه الدعوات الإلهية إلى المعارف الغيبية لا تحتملها علومهم الحسية، كما لا يحتملون مفاجأة الامر الجديد الذي يدعو إلى تغيير سلوك ما كانوا عليه، ولا تطيق إمرة شخص عليهم - من بينهم - دون اختيارهم، فكان على الرسالة السماوية أن تبرهن معجزة ظاهرة وآية باهرة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم في تصديق الرسول صلى الله عليه وآله بما أتاهم عن الله تعالى، وينالوا جوابا لما يختلج في نفوسهم وتعارضه أفكارهم بقولهم: (فات بآية إن كنت من الصادقين).
فبعث - الله تعالى - أنبياء امناء إلى الأرض بالآيات البينات، والمعجزات الباهرات ليعرفوا البشرية آفاق الرسالة السماوية، ويبلغوهم المطالب النورانية، ويدعوهم إلى عبادة الواحد الأحد، ونبذ ما كانوا عليه من العبادات والتقاليد السقيمة البالية التي ورثوها.
ومن الضروري أن رسالات الأنبياء لا تختص باثبات وجود الصانع الذي لا تتوقف معرفته على إتيان المعجز والبراهين، لان الانسان السوي ذا الفطرة السليمة إذا نظر في آيات السماوات والأرضين وما بينهما من النبات والحيوان والانسان والماء والهواء وغيرها - خلقا ونظاما - يستدل بفطرته تلك على أن هذه كلها بقدرة حكيم قوي، صانع عليم، لا يقاس علمه وحكمته وقدرته بما يصنعه الانسان -. الذي خلق ضعيفا - مهما بلغ من درجات العلم والكمال فلا يكون إلا كما قال تعالى: " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " وقوله: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ".
وبعد هذه النظرة الواقعية، تنادي الفطرة مستنكرة ومتمثلة بما ذكره تعالى في محكم كتابه: " أفي الله شك فاطر السماوات والأرض " ثم تجيب: لا، بل تسبح له ما في PageV0MP004
السماوات والأرض، وإنه إله إلا هو خالق كل شئ وهو على كل شئ قدير.
وبالجملة فرسالات الأنبياء لا تنحصر بمثل إثبات الخالق بل تتعداها إلى أنواع المعارف الإلهية، وغيبه وأحكامه وثوابه وعقابه في يوم القيامة، يوم يحيي فيها الموتى بعد ما صارت العظام رميما.
ومن غرائب النفوس البشرية البسيطة، أنها قاصرة عن إدراك تلك المعارف الغيبية - قبل أن تشاهدها - إلا بدلائل صدق مدعيها عقلا، فالعقل يحكم بضرورة إتيان المعجزة وبأن من أتى بها حقا فهو صادق في دعواه بالرسالة منه تعالى.
كما مر على الأمم السالفة كذلك، وينطق القرآن الكريم بما يحكيه لنا من قصص ثلة من الأنبياء مع أممهم ولقد قالوا لهم: إئتونا بآية! فجاءوهم بآيات بينات، فهذه الفطرة باقية، والسنة جارية وحجة الله بالغة إلى يوم القيامة، وهذه مشيئة الباري تعالى - بالنسبة إلى عامة الأنبياء - في تعزيز رسالته بالقوة الدامغة والبراهين الساطعة بواسطة أنبيائه وأوصيائهم عليهم السلام.
وأما خاتمهم إلى آخر الدهر فهو أفضل الأنبياء، وأكملت رسالته بخير الأوصياء - علي وبنيه - الأئمة والقادة المعصومين، الذين خلقهم تعالى من نوره قبل أن يخلق الخلق، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهم الادلاء عليه سبحانه، كما أعطاهم من الفضل وكثرة الكرامات ما لم يعط أحدا قبلهم، ووهبهم المعجزات وسخر لهم كل شئ باذنه تعالى، ليظهر بهم دينه حتى تقوم الساعة ولو كره الكافرون.
فإذا كان (آصف بن برخيا) الذي آتاه الله تعالى علما من الكتاب، أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد الطرف، فحقيق على الله تعالى أن يطلع من أنباء الغيب من عنده علم الكتاب الأئمة الأطهار الاثني عشرة عليهم السلام بواسطة نبيه محمد صلى الله عليه وآله كما قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) والرسول الكريم بدوره أطلع الأئمة بما أنبأه الله تعالى إماما بعد إمام، والأئمة كلهم واحد، وأولهم وآخرهم واحد، كما قال الصادق عليه السلام: " المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا " وقال: من " أنكر واحدا من الاحياء فقد أنكر الأموات ". PageV0MP005
والحق أن ما أعطوا من الكرامات والمعجزات الإلهية التي كانت تبرهن إمامتهم لمن كان يجحدها أو بشك فيها ولحكمة تقتضي أن يظهرها الأئمة عليهم السلام، قد أبهرت عقول البشرية وحيرتهم في الاتيان بوصف كنههم عليهم السلام.
ورغم تلك البراهين الساطعة الدالة على نبوة الأنبياء ورسالتهم - بلا إكراه ولا جبر - فقد يتمادى بعض الضالين والطغاة بغيهم، فينالوا جزاءهم:
" ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ".
وقد أشار إليهم القرآن المجيد في مواضع كثيرة من قصص الأنبياء.
ومن نتائج التاريخ المظلم، والظروف العصيبة القاسية والملابسات التي أحاطت بحياة ووضع الأئمة عليهم السلام وجور الحكام الظالمين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، ومخالفة المخالفين، ووضع الوضاعين وأصحاب البهتان والزور أن كل ما ظهر من خوارق العادات والآيات الباهرات من النبي والأئمة الأطهار حسب الضرورات، لم يصل إلى عصرنا عصر النشر والنور والمعرفة.
نعم لقد وصلنا من تراثهم في المعجزات النزر اليسير الذي حافظ عليه موالوهم من الشيعة وغيرهم ممن حرص على كتابته وطبعه ونشره.
وقد أخذت مؤسستنا الموقرة على عاتقها - حرصا منها - جمع ونشر علوم وآثار أهل البيت ومعجزاتهم عليهم السلام كما هو دأبها.
وقد نشرت كتاب (الخرائج والجرائح) للشيخ الفقيه المحدث قطب الدين الراوندي الذي تضمن معجزات النبي والأئمة عليهم السلام. PageV0MP006
والآن - عزيزي القارئ - بين يديك هذا السفر المتواضع في حجمه، والعظيم في محتواه، المسمى ب " نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة عليهم السلام ".
تأليف الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب دلائل الإمامة.
وقد حرصنا في تحقيقه بكل دقة وأمانة، لاخراجه بالشكل اللائق ووضعه بين يدي القراء الأعزاء، لعلهم ينتهلون من فيوضات الآثار التي خلفها لنا أئمتنا الأطهار عليهم السلام باظهار فضلهم وكراماتهم على الله تعالى وعلو شأن شيعتهم لديهم.
وورثها العلماء الأمناء وحفظوها تراثا وحجة لمن سواهم.
وغير خفي أن حفظ الآثار خلفا عن أسلافنا الأبرار وأداء الأمانة والرسالة الحديثية منهم لا يوجب الالتزام بصحة جميعه، بل إن هذا كأحد الكتب الموروثة - سوى القرآن - يحتاج إلى تحقيق وتثبت أكثر.
وإنما غرضنا العثور على جامع كبير لآثارهم عليهم السلام في كل موضوع، راجين المولى العلي القدير أن يوفقنا للسير على هداهم، وأن يلهمنا بصيص أنوار علومهم ويكلل مساعينا لخدمة نشر معارفهم وآثارهم بالتوفيق والسداد، إنه ولي التوفيق. PageV0MP007
التعريف بالنسخة ومنهج التحقيق:
بفضل الله تعالى ومنه اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة وقعت بأيدينا بعد عناء وجهد طويلين، ولم نعثر على ما سواها.
وقد كانت تلك النسخة كثيرة السقط والخطأ والبياض، بالإضافة إلى ضعف خطها.
وقد قابلنا هذا الكتاب - الوحيد - الذي اعتبر التوأم لكتاب دلائل الإمامة - لنفس مصنفه - مع مصادره والبحار كما هو المألوف، لدينا لاثبات متن صحيح وقويم للخبر، بعد إجراء التعديلات اللازمة، والإشارة في الهامش إلى كل اختلاف لفظي ضروري.
وطبيعي أن مثل هذا يحتاج إلى تكرار المقابلة من قبل مجموعات مختلفة مستخدمين العدسة المكبرة، وتخريج المصادر والمتحدات وبالأخير تقويم النص.
كما أشرنا مفصلا إلى المصادر والاتحادات لكل حديث في نهايته، واعتمدنا على المصادر اللغوية لشرح أكثر الألفاظ اللغوية شرحا موجزا.
ووضعنا ترجمة لثلة من الاعلام التي وردت في أسانيد الروايات ومتونها خصوصا تلك التي ورد فيها تصحيف أو تحريف، معتمدين على كتب الرجال والتاريخ المعتبرة والقيمة.
وكذلك الحال لأسماء الأماكن والبقاع والأقوام والفرق والقبائل.
علما بأن ما كان بين [] دون إشارة في الهامش فهو مما استظهرناه أو أثبتناه من سائر المصادر أو بعضها.
وختاما فإني أشكر جميع الإخوة الأفاضل العاملين في مؤسستنا، الذين آزرونا وتعاونوا في إخراج هذا المستطاع.
كما نشكر السيد باسم الموسوي الذي قام بتقويم النص ابتداءا بعد الاستنساخ والمقابلة والتصحيح واستخراج المصادر والاتحادات، وقبل الخوض في مراحل التأكيد والتدقيق والتحقيق والتوضيح. PageV0MP008
بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة المؤلف:
هو أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي، من كبار علماء الإمامية في القرن الرابع الهجري، وهو من الأصحاب الاجلاء، جليل القدر، دين، كثير العلم، حسن الكلام، ثقة في الحديث، وله كتاب " غريب القرآن " ذكره ابن النديم (ص 52) لدى ذكره الكتب المصنفة في غريب القرآن، معبرا عنه ب " أبي جعفر بن رستم الطبري ".
وقد اختلف المؤرخون في تحديد عصره ومعاصريه وفي نسبة التصنيف إليه فقد لقبوا بهذا الاسم: الكبير والصغير والمتأخر والسمي.
وقد وصفه صاحب الذريعة عند ذكره " نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة عليهم السلام بمحمد بن أبي جعفر بن رستم أبي جعفر الآملي الطبري الكحي كوهي " الصغير في قبال الطبري الكبير الامامي صاحب المسترشد المعاصر للطبري المؤرخ المتوفى سنة 310 ه.
ويروي المؤلف عن أبي الفضل الشيباني، وعن أبي الحسين بن محمد بن هارون التلعكبري، وعن أحمد بن محمد الجوهري " صاحب مقتضب الأثر " وعن أبي التحف علي بن إبراهيم المصري (1).
ووصفه الشيخ الطوسي في الفهرست بالكبير وثناه النجاشي بالإمامي، وقد ذكرا له كتاب المسترشد في الإمامة (2) يروي عنه الشريف أبو محمد الحسن بن
مخ ۱