والداعي إلى ذلك شيئان إرسال الطرف وإتباع الشهوة. قال عيسى ابن مريم عليه السلام: إياكم والنظرة بعد النظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة. وقال الإمام علي: العيون مصايد الشيطان، وقال حكيم: من أرسل طرفه استدعى حتفه.
قيل: شر الناس من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا، وقيل: من يزرع خيرا يحصد زرعه غبطة، وقال بعض الحكماء: إنما هلك الناس بفضول الكلام وفضول المال، وجاء في الحديث: «المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم».
وأما العفة عن المآثم فنوعان أحدهما الكف عن المجاهرة بالظلم، والثاني زجر النفس عن الإسرار بخيانة، فأما المجاهرة بالظلم فعتو مهلك وطغيان متلف، وهو يؤول إن استمر إلى فتنة أو جلاء، فأما الفتنة في الأغلب فتحيط بصاحبها وتنعكس عن البادئ بها فلا تنكشف إلا وهو بها مصروع كما قال الله تعالى:
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله (فاطر: 43)، وجاء في الحديث: «الفتنة نائمة فمن أيقظها صار طعاما لها». وقال جعفر بن محمد: الفتنة حصاد للظالمين. وقال بعض الحكماء: صاحب الفتنة أقرب شيء أجلا وأسوأ شيء عملا، والظالم كالنار إذا وقعت في يابس الشجر فلا تبقي معها مع تمكنها شيئا حتى إذا أفنت ما وجدت أضمحلت وخمدت فيكون الظالم مهلكا ثم هالكا، وجاء في الحديث: «اطلبوا الفضل والمعروف عند الرحماء من أن تعيشوا في أكنافهم فترون آثار الله تعالى في الظالمين فإن له فيهم غيرا وتتصورن عواقب ظلمهم فإن فيها مزدجرا». ورد في الحديث: «من أصبح ولم يف ظلم أحد غفر الله ما اجترم»، وورد عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه خاطب عليا قائلا: «يا علي اتق دعوة المظلوم فإنه إنما يسأل الله حقه وإن الله لا يمنع ذا حق حقه». وورد في منثور الحكم: ويل للظالم من يوم المظالم. وقال بعض الحكماء: من جار حكمه أهلكه ظلمه، والاستسرار بالخيانة بذاء مهينة ولو لم يكن من ذم الخيانة إلا ما يجده الخائن في نفسه من المذلة لكفاه زاجرا، ولو تصور عقبى أمانته وجدوى ثقته لعلم أن ذلك من أربح بضائع جاهه وأقوى شفعاء تقدمه مع ما يجده في نفسه من العز ويقابل عليه من الإعظام، وورد في الحديث: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك». وقيل: الأمانة مؤداة إلى البر. وقال بعض الحكماء: من التمس أربعا بأربع التمس ما لا يكون، من التمس الجزاء بالرياء التمس ما لا يكون، ومن التمس مودة الناس بالغلظة التمس ما لا يكون، ومن التمس وفاء الإخوان بغير وفاء التمس ما لا يكون ومن التمس العلم براحة الجسد التمس ما لا يكون، والداعي إلى الخيانة شيئان المهانة وقلة الأمانة، وإذا حسمها عن نفسه بما ذكر ظهرت مروءته.
وأما النزاهة فنوعان: أحدهما: النزاهة عن المطامع الدنية، والثاني: النزاهة عن مواقف الريبة.
فأما المطامع الدنية فلأن الطمع ذل والدناءة لؤم وهما أدفع شيء للمروءة، والباعث على ذلك شيئان، والشره وقلة الأنفة فلا يقنع بما أوتي وإن كان كثيرا لأجل شرهه ولا يستنكف مما منع وإن كان حقيرا لقلة أنفته، وقال أحدهم: يا رسول الله أوصني، قال: عليك باليأس مما في أيدي الناس وإياك والطمع فإنه فقر حاضر وإذا صليت صلاة فصل صلاة مودع وإياك وما يعتذر منه.
وقال النبي
صلى الله عليه وسلم : «إن نفسا لا تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم إبطاء الرزق على طلبه بالمعاصي فإن الله عز وجل لا يدرك ما عنده إلا بطاعته».
ناپیژندل شوی مخ