غضب الرشيد على رجل فقال له جعفر: غضبت لله فأطع الله في غضبك بالوقوف إلى حال التبين كما غضبت له.
قيل: ما عفا عن الذنب من قرع به، والعفو مع العذل أشد من الضرب على ذي العقل، فرب قول أنفذ من صول وعفو أشد من انتقام، وقال بعض الأدباء: من غرس شجرة الحلم اجتنى ثمرة السلم، وقال أبو الدرداء لرجل أسمعه كلاما: يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه، وشتم رجل الشعبي، فقال: إن كنت كما قلت فغفر الله لي وإن لم أكن كما قلت فغفر الله لك، وقال النبي
صلى الله عليه وسلم : «إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكرا للقدرة عليه». وقال بعض البلغاء: أحسن المكارم عفو المقتدر وجود المفتقر، وقال بعض الحكماء: احتمال السفيه خير من التحلي بصورته والإغضاء عن الجاهل خير من مشاكلته، وقيل للإسكندر: إن فلانا وفلانا ينقصانك ويثلبانك فلو عاقبتهما، فقال: هما بعد العقوبة أعذر في تنقصي وثلبي، فكان هذا تفضلا منه وتألفا.
وقال الأحنف: ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال إن كان أعلى مني عرضت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيرا بي تفضلت عليه.
وقيل في منثور الحكم: الحلم حجاب الآفات ، وأكرم الشيم أرعاها للذمم، ومن ظهر غضبه قل كيده. وقال بعض الأدباء: غضب الجاهل في قوله وغضب العاقل في فعله. وقال بعض الحكماء: إذا سكت عن الجاهل فقد أوسعته جوابا وأوجعته عقابا. وقالت الحكماء: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الجواد إلا في العسرة والشجاع إلا في الحرب والحليم إلا في الغضب. وقال بعض الحكماء: العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم. وقال عمرو بن العاص: أكرموا سفهاءكم فإنهم يسومونكم العار والشنار. قال سلمان لعلي بن أبي طالب: ما الذي يباعدني عن غضب الله عز وجل، قال: لا تغضب. وقال بعض البلغاء: من رد غضبه هد من أغضبه. وقال رجل لبعض الحكماء: عظني، قال: لا تغضب فينبغي لذي اللب السوي والحزم القوي أن يتلقى قوة الغضب بحلمه فيصدها ويقابل دواعي شره بحزمه فيردها ليحظى بأجل الخير وليسعد بحميد العاقبة.
شكا رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
القسوة، فقال: «اطلع في القبور واعتبر بالنشور». وكان بعض الملوك إذا غضب ألقى عنده مفاتيح ترب الملوك فيزول غضبه. وقال عمر بن الخطاب: من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير. وكتب أبرويز إلى ابنه شيرويه: «إن كلمة منك تسفك دما وأخرى منك تحقن دما وإن نفاذ أمرك مع كلامك فاحترس في غضبك من قولك أن تخطئ ومن لونك أن تتغير ومن جسدك أن يخف فإن الملوك تعاقب قدرة وتعفو حلما». وقال بعض الحكماء: الغضب على من لا تملك عجز وعلى من تملك لؤم. وقال النبي
صلى الله عليه وسلم : «ينادي مناد يوم القيامة من له أجر على الله عز وجل فليقم فيقوم العافون عن الناس، ثم تلا:
فمن عفا وأصلح فأجره على الله (الشورى: 40). وقال رجاء بن حيوة لعبد الملك بن مروان في أسارى ابن الأشعث: إن الله قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو. وقال النبي
ناپیژندل شوی مخ