وتعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) .
ثم قال من سدد في المقال:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... فأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرًا لم يحيى بالعلم ميت ... فليس له حتى النشور نشور
وكل علم - وإن تميز حامله عن البهيمة - فليس العلم الذي يلبس طالبه أكرم شيمة، ويحيى فؤاد صاحبه كما تحيى الديمة الهشيمة - إلا ما أودع الله ﷿ كتابه العلي من أنوار المعارف، وتضمنه كلام النبي العربي - ﷺ من الفوائد واللطائف، فذلك العلم الذي ينهض حامله إلى أعلى المراتب، ويأخذ بضبع طالبه
حتى يقعده على هام الكواكب، ويكشف عن بصر فؤاد صاحبه فينزهه في رياض البدائع والعجائب.
ثم لا يطمع في الاستبصار والاستكثار من فوائده ونضاره.
والاستبحار في فنون فوائده ومباحث أغواره إلا بعد معرفة باللسان الذي أنزل به القرآن، ولغة النبي ﷺ الذي أحلنا عليه في البيان، فإنه ﷾ يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) .
وقال سبحانه: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) .
فإذا كانت صناعة الإعراب مرقاة إلى علوم الكتاب، لا يتولج فيها إلا من
أبوابه ولا يتوصل إلى اقتطاف زهراتها إلا بأسبابه فواجب على الناشئين تحصيل
أصولها، وحتم على الشادين البحث عن أسرارها وتعليلها.
وقد عزم لي بعد طول مطالبة من الزمان، ومجاذبة لأيدي الحدثان، وأمراض
همة لا تغب، وزمانة مرض تنيم الخاطر فلا يهب - على جمع نبذ من نتائج الفكر، اقتنيتها في خلس من الدهر، معظمها من علل النحو اللطيفة، وأسرار هذه اللغة الشريفة.
فالآن حين أردت زفافها إلى أسماع الطالبين، فإن لم يكونوا لأبكارها خاطبين،
1 / 26