ماء ".
والماء - بالألف واللام - ليس إلا الماء المشروب، فكيف يريد بها حكاية
صوتها؟
ولكن الشاعر ألغز حيث وقع الاشتراك بين لفظ الماء وصوتها، فصار صوتها
كأنه هو اللفظ المعبر به عن الماء المشروب، فأي شيء أبين من هذا من أن الاسم غبر المسمى؟.
وأما قوله: " تداعين باسم الشيب " فهو كذلك، لأنه لم يقل: " باسم شيب.
شيبا. وإنما قال: " الشيب " - بالألف واللام - ولفظ الألف واللام غير موجود في صوت الإبل وإنما أراد: تداعين بصوت يشبه في اللفظ اسم الشيب، أعني: جمع " أشيب "، كما في البيت الأول.
وأما قول لبيد: " اسم السلام عليكما " فالسلام اسم من أسماء الله تعالى.
والسلام عبارة عن التحية، وهذا الذي أراد، ولكنه شرفه بأن أضافه إلى الله ﷿، لأنه أبلغ في التحية، كأنه يقول: لو وجدت سلامًا أشرف من هذا لحييتكم به، ولكني لا أجده لأنه اسم السلام، والحمد لله.
ووجه آخر، وهو أحسن في المعنى، وذلك أن لبيدًا لم يرد إيقاع التسليم
عليهم لحينه، وإنما أراده بعد الحول، ولو قال: " ثم السلام عليكما " لكان مسلمًا في وقته الذي نطق به في البيت، فلذلك ذكر الاسم الذي هو عبارة عن اللفظ، أي: إنما اللفظ بالتسليم بعد الحول، وذلك أن السلام دعاء، فلا يتقيد بالزمان المستقبل وإنما هو لحينه، ألا ترى أنه لا يقال بعد الجمعة اللهم ارحم زيدًا ولا بعد الموت اللهم اغفر لي، إنما تقول: " اللهم اغفر لي بعد الموت "، فيكون " بعد " ظرفا للمغفرة والدعاء واقع لحينه.
فإن أردت أن تجعل الوقت ظرفًا للدعاء صرحت بلفظ الفعل فقلت: " بعد
الجمعة ادعو بكذا "، أو أسلم، أو ألفظ (بكذا)، لأن الظروف إنما تقيد بها
الأحداث الواقعة فيها خبرًا أو أمرًا أو نهيًا، وأما غيرها من المعاني كالعقود، أعني عقد الطلاق وعقد اليمين، وكالدعاء والتمني والاستفهام وغير ذلك من المعاني فإنما هي واقعة لحين النطق بها، ولذلك يقع الطلاق لمن قال: " بعد يوم الجمعة أنت
1 / 39