وإذا طالعنا المذكرات الخاصة وجدنا فيها ما يدل على شدة حبه لقواده، قال كونستان بعد النصر الباهر الذي أحرزه نابوليون في مارنجو أنه «مع النصر الفاصل الذي أوتيه القنصل الأكبر - أي نابوليون - كنت أرى الحزن يملأ نفسه وأسمعه يردد أن فرنسا فقدت بفقد دسكيس فتى من خيرة أبنائها، وفقدت أنا صديقا من أفضل الأصدقاء.»
ولما استوى نابوليون على العرش الإمبراطوري لم يتغير شيء من عواطفه نحو قواده، بل لبث يسمح للمارشال «لان» بأن يخاطبه بصيغة المفرد، وما بلغ نابوليون خبر إصابته بجرح مميت حتى تولاه حزن عظيم وأخذ يزوره صباحا ومساءا، واتفق أنه وصل في عيادته الأخيرة بعد أن لفظ المارشال روحه الطيبة، فتقدم نابوليون وقبله وبكى، ثم أخذ يقول: «يا لخسارة فرنسا! يا لخسارتي!» ولما حاول برتييه أن يذهب به ويكفيه مئونة ذاك المنظر الأليم قاومه نابوليون نحوا من ساعة.
وفي اليوم التالي كتب نابوليون إلى أرملته يقول: «أيتها النسيبة، مات المارشال على أثر الجروح التي أصابته في ساحة الشرف، فخلف لي من الحزن ما يضارع حزنك، ولا غرو فإني فقدت بفقده أفضل قائد للجيش، وخير رفيق وصديق لزمني منذ ست عشرة سنة، إن أسرته وأولاده لهم كل حق في طلب حمايتي ورعايتي.»
ثم كتب إلى الإمبراطورة: «إذا أمكنك أن تساعدي في تعزية أرملة المارشال فافعلي ...»
وروت دوقة أربانتيز أنه لما فقد جونو أمه كتب إليه الإمبراطور نابوليون كتابا لطيفا خاطبه فيه بلهجة كالتي كان يخاطبه بها أيام معركة طولون أو أيام حرب إيطاليا، وهي لهجة الصداقة والألفة الخالية من كل كلفة.
ولما أصيب ديروك بقنبلة عند درسد ذهب إليه الإمبراطور نابوليون وضمه إلى قلبه مرارا، ثم عاد خائر القوى لفرط الأسى وهو يقول: «يا للهول، يا للهول! أيها العزيز ديروك ... ما أعظم خسارتي فيك!» وكانت دموعه تسيل على خديه وتسقط على ملابسه.
ثم أمر الإمبراطور بشراء أرض وبإقامة تمثال لذاك القائد العظيم وبكتابة العبارة الآتية تحت التمثال: «هنا الجنرال ديروك دوق فريول وأحد مارشالية نابوليون العظام، أصابته قنبلة فمات موتا مجيدا بين ذراعي الإمبراطور.»
وما اكتفى نابوليون بإكرام هذا الفقيد، بل صرف عناية كبيرة إلى عيلة ديروك ومنح أرملته وابنته دوقية فريول، وكان ريعها وقتئذ لا يقل عن مائتي ألف فرنك في العام. •••
على أن هذا الشعور الجميل الذي كان بيديه نابوليون في مثل تلك الأحوال لم يكن يحول دون استقلال فكره وإرادته، فقد كان عند الضرورة شديدا قاسيا، وثبت أنه كان في إيطاليا ومصر حين كان جنرالا كبير المطامع، أشد وأقسى في معاملة القواد والجنود مما كان عليه بعد استوائه على السدة الإمبراطورية، واستلامه مقاليد الحكم المطلق واتساع شهرته وسطوته في العالمين. قال خصوم نابوليون أنفسهم في مذكراتهم: «إن هذا الجنرال الصغير كان يخيف قوادا مثل أوجيرو وماسينا وغيرهما سنة 1796، ولما جاءه الجنرال ديينوا سنة 1797 بقصد التملق والتزلف قال له نابوليون: عرفتك لما كنت قائدا في لومبارديا وعرفت أنك قليل النزاهة عاشق للمال، على أني كنت أجهل أنك جبان، فاخرج من الجيش ولا تظهر أمامي مرة أخرى.»
وكتب نابوليون إلى برتييه يقول: «اكتب إلى الجنرال جاردان أن شكاوى عديدة انتهت إلي من إحراجه لأهل البلاد وأن الواجب عليه أن يسلك سلوكا يتفق مع كرامة الجيش، فلا يسمعني بعد اليوم شكوى واحدة من تصرفه.»
ناپیژندل شوی مخ