خيانة ماري لويز
على أنه مضى زمن بعد وصوله إلى تلك الجزيرة ولم يتلق خبرا من ماري لويز فداخله القلق والعجب، ولكن مظنة الخيانة لم تخطر بباله، وفي 20 أغسطس كتب إلى الجنرال برتران يقول: «إني أنتظر وصول الإمبراطورة في شهر سبتمبر.» ثم كتب إلى آخرين وتوسل بجملة من الوسائل ليحمل ماري لويز على مراسلته والحضور إليه فلم يفلح، وكان من جملة تلك الوسائل أنه كتب في أكتوبر من ذاك العام إلى دوق توسكانا خال ماري لويز يسأله أن يكون واسطة في إيصال رسائله إلى ماري لويز.
فيا لله من كيد الزمان! إن الإمبراطور العظيم الذي كانت الملوك والأباطرة تتزلف إليه، والشعوب تهتف له وتحني الرءوس بين يديه، بات يرجو من دوق صغير أن يكون واسطة بينه وبين زوجته!
وبينما كانت عوامل القلق والشوق تتنازع نابوليون إلى ذاك الحد، كانت ماري لويز تظهر قلة الاكتراث لمصابه، وتجتنب كل ما تظنه مخالفا لميل أبيها، وكان من جهة أخرى الجنرال نيبرج الأعور يشاغلها ويحاول القبض على مفتاح قلبها، وقيل إنها أخذت تنقاد إليه منذ 17 يوليو سنة 1814.
وكان الحزن يساور قلب نابوليون كلما طال الزمن على انقطاع المراسلة بينه وبين تلك المرأة التي ظنها حليلة أمينة، وإنه لعلى تلك الحال إذا بالبولونية الحسناء قادمة إلى الجزيرة تحمل إليه حبها وعطفها الصادق فكان سناؤها نورا بين ظلمات الأحزان التي كانت تحيق بالأسد المعتزل، إلا أنها لما تقم أكثر من ثلاثة أيام في الجزيرة، ولم يلبث نابوليون أن عاد إلى ظلمة العزلة.
ولما ترك نابوليون الجزيرة وعاد إلى وطنه على الرغم من خصومه واسترجع سدته العالية، كتب إلى إمبراطور النمسا يطنب في حبه لأسرته، ويلتمس منه أن يسارع إلى إعادة زوجته وابنه إليه.
ولكن فساد قلب تلك الزوجة بلغ حدا قصيا، فباتت لا تعبأ بالألسنة اللاذعة التي تناولت عرضها، وإذا استطلعنا أعماق قلبها بما كتبته إلى أخصائها أيام كان الحلفاء يزحفون على فرنسا والفوز معقود بلوائهم، رأيناها لا تشعر شعور إمبراطورة الفرنسويين، بل تحس إحساس أميرة نمسوية عدوة لفرنسا. قالت في كتاب خاص يوم تقدمت جنود المتحالفين في بلاد فرنسا: «مضى ثمانية عشر يوما ولم يرد على خبر من الجنرال نيبرج، ولم أعرف إلا ما تضمنته النشرة الرسمية من التفصيل، على أني مبتهجة مع الجميع بالأخبار الحسنة التي تتضمنها (كذا).»
فليفكر القارئ في تلك الإمبراطورة التي «ابتهجت بالأخبار الحسنة» أي أخبار تفوق الأعداء بكثرة عددهم وعددهم، على ذاك البطل التي نعمت بنعمائه، وعزت بعزه وحسدتها إمبراطورات الخافقين على مكانتها لديه، ولا نظن أن أهل المروءة يخففون جريمة تلك المرأة بزعم أن الغرام ضرب على قلبها غشاوة منذ أحبت ذاك الجنرال الأعور؛ لأن الحب لا ينفي عاطفة الشفقة والأنفة، وأقل ما يدل عليه تمنيها لكسر نابوليون هو أنها جمعت بين الخيانة والنذالة والخباثة. •••
رأينا أن دور نابوليون بوصفه زوجا وربا لعيلة ابتدأ أيام نصره الباهر في إيطاليا وانتهى يوم كسره القاهر في واترلو، ورأينا أنه تزوج امرأتين وأن الاثنتين خانتاه، ولكن الفرق بين جوزفين وماري لويز أن الأولى خانته بعد زواجه بقليل والثانية كانت تعرف كيف تخفي لؤمها ونذالتها، ومالت إليه حينا من الزمن لفرط اهتمامه بإراحتها وإسعادها، ثم استرسلت إلى سجيتها الطبيعية حين فشل زوجها وأمنت هيبته وسطوته، ثم رأينا أن نابوليون كان مع هذا كله لا يستسهل تصديق ما قيل له عن جوزفين أو ماري لويز، بل كان يحسب مظاهر الخيانة التي بدت من جوزفين خفة مجردة، ويظن أن ماري لويز كانت ضحية أيام غيابه في جزيرة ألب، ويجتنب كل أمر يكدر صفاء راحته البيتية، وما كانت عظمة النجاح وعزة الملك تؤثران في مهمته الزوجية والأبوية، وتصرفانه عن القواعد التي تلقاها في عهد تربيته الأولى.
على أن نكد الدنيا شاء له ألا يستريح في بيته إلا أحيانا متقطعة، وأن يأتيه الحب الصادق من قلب شريفة بولونية كانت محرومة من لذة الحب الصحيح في بيتها.
ناپیژندل شوی مخ