أنا قلق الفكر، أود أن أعرف ماذا تصنعين ... كنت في قرية فيرميل وجلست عند ضفة البحيرة على نور القمر الفضي، وكنت أذكر على الدوام جوزفين ... إني أضعت علبة التبغ، فأرجو أن تختاري لي علبة أخرى مسطحة قليلا، وأن تكتبي عليها كلمة جميلة من شعر رأسك ... ألف قبلة فيها من الضرام بقدر ما عندك من البرودة.
وكتب إليها: «لقد نال اليأس مني لظنك أني أميل إلى امرأة سواك، فأنا ملك لك بحق الفتح الدائم الوطيد، ولا أدري لماذا تحدثيني في شأن مدام ت ... مع أني لا أهتم بها ولا بغيرها من نساء برتشيا ... وأنا أعدك بأني لا أفض مكاتيبك بعد الآن ما دام فتحها يكدر صفاءك، أما سفرك فليكن قبل اشتداد الحر، وسأحضر لملاقاتك.»
أنت ترى مما تقدم أن حب نابوليون لم يضعف، ولكن شيئا من القلق بات يخيم عليه، وأنه صار يستشعر الخيانة ولكنه لا يستطيع ولا يريد تصديقها، وأن مداراته لشعور زوجه المحبوبة بلغت به إلى حد أن وعدها بالعدول عن فتح مكاتيبها.
أما تظاهر جوزفين بالغيرة كما يؤخذ من أحد كتبها فلم يكن إلا تحويلا لأفكاره وتبديدا لشكوكه.
الفصل السابع
سلوك جوزفين في ميلان
وإذا نظرنا إلى جوزفين في قصر سرباوني، وجدناها تسلك المسلك الذي اتبعته في باريس ولم تتركه إلا كاسفة آسفة، فقد اتفقت أخبار الرواة على أن جمهورا من الضباط الشبان أخذوا يلتفون حولها منذ وصولها إلى ميلان ويبالغون في إكرامها والتزلف إليها، وأن كتب الشوق والرجاء والتضرع التي أرسلها نابوليون كانت تصل إليها وهي في ذاك المحيط بين ضروب الملذات وأفانين المسرات، وكانت تنتحل الأعذار التي ألفتها في باريس لتؤجل سفرها إلى حيث كان نابوليون، وما تمكن نابوليون من استقدامها إلى برتشيا إلا بعد الجهد الكبير والرجاء الكثير.
ولكن اجتماع نابوليون وجوزفين في برتشيا لم يكن أطول من اجتماعهما في ميلان؛ لأن نابوليون اضطر إلى السفر بحكم الحرب التي كانت ناشبة، فعادت جوزفين إلى ميلان، وقاست بعض الأخطار في عودتها، ومنذ هذا الحين ازداد سلوك جوزفين ظهورا، وأخد نابوليون يشعر شعورا أكيدا بقلة اكتراثها له وضعف ميلها إليه، ومع ذلك فإنه بقي شديد الحب مضطرب الأحشاء؛ بدليل ما كتبه إليها بعدئذ، وهاك بعض ما قاله:
كنت أؤمل أن أحصل على كتاب منك، فخاب الأمل وتولاني قلق مخيف؛ لأنك كنت منحرفة الصحة عند السفر، فأرجو منك أن لا تدعيني في مثل هذا القلق ... كيف يمكنك أن تنسي من يحبك ذلك الحب الشديد؟! آه! إن الفراق هائل والليالي طويلة تدعو إلى الملل ... فكري في، ولا تعيشي لغيري، واقضي معظم أوقاتك مع من يحبك، فإني لا أخاف إلا مصيبة واحدة وهي أن لا تحبني جوزفين.
ولما مضى يوم آخر ولم يرد عليه خبر كتب إليها: «إني لم أر منك كتابا فتولاني القلق الشديد ... إنهم يؤكدون لي أن صحتك جيدة وأنك تنزهت عند بحيرة كوم.»
ناپیژندل شوی مخ