على أن نابوليون لم يخطب جوزفين خطبة رسمية إلا سنة 1796، ولم يكن يكثر من الزيارات لها قبل هذا الميعاد؛ لأن الحكومة الفرنسوية «حكومة الديركتوار» فوضت إليه أن يضع خطة الحرب الإيطالية، فاستغرقت مع أعماله الأخرى معظم وقته، وبعد أن عقدت الخطبة بينهما انتقلت جوزفين إلى منزل نمرة 6 في شارع شانترين بالعاصمة، وهو المنزل الصغير الجميل الذي اشتراه لها نابوليون بمبلغ 50400 فرنك.
وكان نابوليون يزور الأحباء والأصدقاء مع خطيبته، وقيل إن جوزفين أظهرت شيئا من التردد بعد الخطبة، بدليل أنها كانت يوما مع نابوليون مارة أمام منزل مستشارها الموسيو راجيدو أحد موثقي العقود، فدخلت منزله وسألت خطيبها أن يبقى خارج غرفة هذا الرجل، ولما خلت به استشارته لآخر مرة في مسألة اقترانها بنابوليون، فقال لها: «ماذا تفعلين؟ أتقترنين بجنرال لا يملك إلا السيف والعباءة العسكرية ... بجنرال صغير ليس له اسم ولا مستقبل ... بجنرال هو دون سائر قواد الجمهورية! إنه لخير لك أن تتزوجي أحد المتعهدين بتقديم البضائع والحاجيات من أن تعقدي مثل هذا القران.»
حفلة زواج نابوليون وجوزفين.
وكان نابوليون في تلك الساعة ينصت وراء الباب المفتوح قليلا، فسمع حديث الموسيو راجيدو، ولكنه كظم غيظه وأضمر استياءه ولم ينبس ببنت شفة، وبعد مضي ثماني سنوات انتقم لنفسه بأن دعا راجيدو إلى حفلة القران التي أقيمت في قصر التويلري ليرى ذاك «الجنرال الذي ليس له اسم ولا مستقبل.»
وكان اقتران نابوليون بجوزفين في 9 مارس من سنة 1796، ومما يذكر أن جوزفين نقصت من عمرها يوم كتابة عقد الزواج أربع سنوات، ونابوليون زاد على عمره سنة واحدة مراعاة لعواطفها، وكان شاهدا جوزفين باراس وتاليين، وشاهدا نابوليون ياوره ماروا والمسيو كالميلي أحد رجال القضاء، وبعد التوقيع على السجل الرسمي أمام المسيو لكليرك مسجل الأحوال الشخصية في القسم الثاني من العاصمة، ذهب نابوليون وعروسه إلى منزلهما في شارع شانتيرين حيث ابتدأ شهر العسل رسميا، أما ولدا جوزفين أوجين وهورتنس فقد أرسلا إلى سان جرمين.
وقبل زواج نابوليون باثني عشر يوما صدر الأمر بتعيينه قائدا عاما لجيش إيطاليا، فأخذت الألسن اللاذعة تقول: «إن باراس جعل القيادة العامة مهرا لجوزفين.» ونقل بعض المؤرخين هذا القول الجارح على علاته، ولكن الذين رمقوا نابوليون بعين الإنصاف يرون أن باراس مع رغبته في إرضاء حبيبته السيدة تاليان - التي التمست جوزفين توسطها - لم يكن من السهل عليه أن يجعل القيادة العامة في جيش إيطاليا - تلك القيادة التي كانت المصلحة الوطنية العظمى منوطة بها - هدية زواج أو ينقلها من يد إلى يد على ذاك النمط من الخفة والطيش.
وزد على هذا كله أن باراس مع نفوذه ومقدرته على إغداق نعم كثيرة لم يكن قادرا على التصرف وحده بأمر تلك القيادة؛ لأن القائد العام لم يكن يعين إلا باتفاق آراء الغالبية في مجلس «الديركتوار»، وهو كان مؤلفا من كارنو وباراس ورفيليير ليبو وريبل ولتورنور، وإذا رجعنا إلى مذكرات رفيليير ليبو - الذي اشتهر بتحامله على نابوليون - رأيناه يؤكد فيها إن «الديركتوار كان حرا في اختياره لنابوليون؛ فهو لم يتأثر بشيء لا من باراس ولا من أحد آخر ...»
والواقع أن مجرى الحوادث هو الذي أفضى بالقيادة العامة إلى يد نابوليون، وتحرير الأمر أن نابوليون وضع خطة حربية لاكتساح أنحاء البيامون منذ 19 يناير من تلك السنة ورفعها إلى الحكومة، فأرسلتها إلى الجنرال شارير - وكان وقتئذ قائدا عاما - فما اطلع عليها حتى أعادها إلى الحكومة وقال لها في كتاب: «إن الذي وضع هذه الخطة رجل مجنون، ومن يتصور خطة مثلها يجب عليه أن يأتي لتنفيذها»، بيد أن كارنو أحد أعضاء الحكومة أدرك سر الخطة وأيد نابوليون وتمكن من استمالة الغالبية إلى رأيه، وفي 11 مارس من سنة 1796 - أي بعد الزواج بيومين فقط - سافر نابوليون إلى معسكر الجيش الإيطالي وقلبه يتلفت نحو زوجه المحبوبة، وهناك كان استهلال الأعمال الحربية العجيبة التي استمرت نحوا من عشرين سنة.
الفصل السادس
نابوليون بعد الزواج
ناپیژندل شوی مخ