فمنطقه لا يملك وسيلة التعبير عن صورة هذا الاستدلال.
وإن المرء ليميل إلى الاعتقاد بأنه لم يكن من العسير على مكتشف منطق الفئات أن يمتد بعمله إلى منطق العلاقات، ما دامت اللغة التي كان يتكلمها لم تكن تقل تطورا عن لغتنا، وكانت لها كل الصور النحوية اللازمة لمعالجة العلاقات. وفضلا عن ذلك فقد عرف أرسطو بوجود العلاقات، ففي كتابه عن المقولات يشرح بوضوح تام أن علاقة مثل «أكبر من» تقتضي شيئين تسري فيما بينهما. ولكنه لا يمتد بنظريته في الاستدلال بحيث تشمل العلاقات. وقد يكون السبب هو أن اهتمام واضع منطق الفئات بالمسائل الأقرب إلى الطابع الميتافيزيقي كان أعظم من أن يتيح له الوقت اللازم لإكمال عمله المنطقي. ولكن إذا صح ذلك فقد كان في استطاعة واحد من تلاميذه أن يضع منطقا للعلاقات. غير أن العجيب أن شيئا من ذلك لم يحدث، ويبدو أن أرسطو لم يدرك أبدا أن لمنطقه حدودا لم يستطع أن يتعداها. ولم يضف تلاميذه إلا تفصيلات قليلة، ولكنهم لم يتجاوزوا عمل أستاذهم في أي موضوع أساسي. ولم يطرأ تغير إلى الأحسن في القرون التالية. وهكذا تتمثل في تاريخ المنطق صورة عجيبة لعلم ظل طوال أكثر من ألفي عام في نفس المرحلة الأولية التي تركه فيها مؤسسه.
فما هو تفسير هذه الحقيقة التاريخية؟ إن تاريخ المنطق يبدو، بالقياس إلى التقدم الهائل الذي أحرزته الرياضة وأحرزه العلم خلال هذه الأعوام الألفين، أشبه ببقعة جرداء في بستان المعرفة. فما السبب الذي يمكننا أن نعلل به هذا الركود؟
إن المنطق يحتاج، أكثر من أي مبحث آخر في الفلسفة، إلى معالجة فنية متخصصة لمشكلاته. فالمشكلات المنطقية لا تحل بلغة مجازية، وأيضا تقتضي دقة الصياغة الرياضية، بل إن مجرد التعبير عن المشكلة يكون في كثير من الأحيان مستحيلا بدون مساعدة لغة تماثل في دقتها لغة الرياضيات. ولقد كان الفضل الذي ينبغي أن ينسب إلى أرسطو ومدرسته هو أنهم هم الذين وضعوا الأسس الأولى للغة فنية دقيقة للمنطق، وهي لغة أضافت إليها العصور الوسطى بضعة عناصر ضئيلة القيمة. ولكن ذلك كل ما تم في هذا الاتجاه خلال ألفي عام. وعلى حين أن كبار الرياضيين قد استحدثوا لعلمهم أسلوبا فنيا ذا كفاءة عالية، فإن التجاهل كان من نصيب أسلوب المنطق، بل إن المنطق التقليدي يتمثل على الصورة الهزيلة لعلم لم يكن أبدا مجالا لعمل رجل عظيم. فيبدو أن أولئك الذين وهبوا أعظم قدرة على التفكير المجرد لم يجذبهم المنطق، وإنما اجتذبهم العلم الرياضي الذي كان يتيح لهم فرصا أعظم للنجاح. وهذا الحكم يصدق حتى على عهد أرسطو؛ إذ إن التحليل المنطقي الذي مارسه رجال مثل فيثاغورس وإقليدس في ميدان الرياضة يفوق بكثير تلك الكشوف التحليلية التي تم الوصول إليها في منطق أرسطو. ولولا مساعدة العقل الرياضي، لظل المنطق محكوما عليه بالبقاء في مرحلة الطفولة. وعلى الرغم من أن «كانت» لم يستطع أن يستحدث منطقا أفضل، فإنه قد أصدر حكما صحيحا على الموقف عندما أعرب عن دهشته لأن المنطق هو العلم الوحيد الذي لم يحرز أي تقدم منذ بداية عهده.
ولقد كان أول رياضي عظيم اتجه اهتمامه صوب المنطق هو ليبنتس. وكانت النتائج التي توصل إليها ثورية؛ إذ كان هو أول من وضع برنامج التدوين الرمزي، ولو كان قد أبدى في تنفيذ هذا البرنامج نفس الجهد والعبقرية اللذين أبداهما في اختراعه لحساب التفاضل، لعجل بظهور المنطق الرمزي قبل مائة وخمسين عاما من موعد ظهوره الفعلي. غير أن عمله ظل غير مكتمل، وغير معروف في عصره، وكان لزاما على كتاب القرن التاسع عشر أن يجمعوه من رسائله ومن مخطوطاته غير المنشورة. وكانت نقطة التحول في تاريخ المنطق هي منتصف القرن التاسع عشر، عندما شرع رياضيون مثل بول
Boole
ودي مورجان
de Morgan
في التعبير عن مبادئ المنطق بلغة رمزية من نوع التدوين الرياضي. واستمر بناء المنطق الرمزي على أيدي رجال مثل بيانو
G. Peano
ناپیژندل شوی مخ