88

وكثيرون من سكان صور وصيدا ينقبون دوما على العاديات لأنهم تيقنوا وجود من يشتريها، فهم ينقبون ويحملون ما يقوون على حمله. أما التماثيل والأحجار الثقيلة الوزن فيحطمونها بسرور.

ذهبت سنة 1914 إلى خليج النبي يونس وأزلت الأتربة عن لوحة حجرية كبيرة تحوي فسيفساء «موزاييك» من النوع البيزنطي، وبعد أن أخذت قياسها وصورتها بالفوتوغراف غطيتها بالأتربة، ثم رجعت لأراها ثانية فظهر لي أن كل شيء باق كما كان، ولما أزلت الأتربة رأيت النقوش مشوهة كأنها ضربت بفأس ضربات عديدة.

1

فعليه لا بد من تنوير أذهان الذين يجهلون قيمة الآثار ومعناها، وهذا العمل يلقى على عاتق معلمي المدارس والكهنة والأئمة. يجب أن يفهم الشعب معنى ماضيه الباهر، ويتأكد أن هذه الآثار الدالة على مدنيته القديمة هي من عوامل فخره كشعب يتوق إلى الحرية، وأن عليه أن يحافظ على أمجاد تاريخه كما يحافظ على حياته، ويجب أن يقتنع مشوهو العاديات أن المشتغلين بالآثار يفتشون عن الحجارة لقراءة ما عليها من الكتابة، لا لما في جوفها من الذهب والفضة.

أذكر - بأسف - حادثة وقعت قديما للمسيو كلرمون غانو

Clermont Ganneou ، فقد اكتشف هذا العالم نصب «مشا» ملك موآب - وتاريخه يرجع إلى تسعة قرون قبل المسيح - وقصد حمله إلى متحف اللوفر حيث هو باق إلى الآن، فلما رأى الأهالي الأهمية التي لذلك التمثال ظنوا أن في جوفه كنزا، فاجتمعوا ليلا وأوقدوا حوله النار حتى حمي، ثم صبوا عليه الماء البارد بقصد تكسيره، وحطموا بفئوسهم ما لم تقو عليه النيران، وهكذا شوهوا تمثالا من أثمن التماثيل المعروفة إلى الآن.

ومع قلة احترام الأهالي للعاديات وكثرة الأيدي اللاعبة لا تزال سوريا ملأى بالآثار القديمة، وأهمها لا يزال مدفونا، وكلما أراد الباحث اكتشاف الآثار الأكثر قدما تحتم عليه أن ينزل بعيدا في جوف الأرض. قصدت مدة بحثي في صيدا أن أصل إلى آثار تمثل ما قبل التاريخ المسيحي بألفي سنة، فبعد أن حفرت ثمانية عشر مترا تمكنت من الوصول إلى أوائل الآثار الرومانية اليونانية؛ فكم يلزم من العمل الشاق للوصول إلى الآثار البابلية والفارسية والحثية؟

وقد كانت العاديات السورية فيما مضى مشاعا يحملها الأثريون الأوروبيون إلى متاحف بلادهم، ثم سنت تركيا قانونا يمنع إخراج العاديات إلى أوروبا، ويقضي بنقلها إلى إسطنبول. أما اليوم فقد تقرر مبدئيا أن تبقى عاديات سوريا في سوريا.

وللجنرال غورو ولع بالفنون القديمة والحديثة؛ لهذا عني منذ وصوله إلى سوريا بإنشاء إدارة للآثار تأخذ مصاريفها من صندوق المفوضية، ومخصصات أخرى سنوية من الحكومة الفرنسية.

والعمل الملقى على عاتق هذه الإدارة كبير شاق، فيجب الاحتفاظ بالآثار الموجودة حاليا، ومباشرة الحفريات الجديدة للوصول إلى آثار المدنيات القديمة، ويجب الاهتمام بالمباني كخرائب تدمر وبعلبك، وجعلها في حالة تجلب إليها السياح، وهم لا يتوافدون بكثرة إلى سوريا قبل تعميم طرق المركبات، وتأسيس شركات تقوم بنقل السياح، وبإنشاء نزل يجدون فيها الراحة التامة.

ناپیژندل شوی مخ