75

اصبروا أيها الناس، اصبروا على العسر والجرائم والاعتقال والفوضى.

اصبروا أيها الناس، حتى نقطع سلاسل العصور الخوالي، ومتى زالت عنا سمات النخاسة نعلم المفوضية أن تدري، وإذ تدري ترفع بيدها مشعل النور فيستنير الحاكم ويطمئن المحكوم.

موجة السرور الكبرى

نحن في هذا الشرق لفي جوع لجوج إلى أمور عديدة يتمتع بها الناس وينعمون، بينما جماهيرنا - شهود مرقص الحياة الأكبر - تبكي حينا، وتندب حينا، وتغص حينا. وكم من الأحيان تلسعنا عقارب الغيرة من أمجاد الأمم، ومنعة الأمم، وسعادة الأمم، فننكمش على نفوسنا وقلوبنا تغور فيها البغضاء وتفور، حتى إذا ما لامس فكرنا أول غربي نراه، صببنا رشاش غيرتنا الآكلة وما يلتصق بها حتما من نفور، وحذر، وتعصب، وبغيضة «شرعية»، فيهز الغربي أكتافه ويقول:

لا خير يرتجى من الأمم الشاكية، الأمم الغارقة في سويدائها، الموسومة - على جبين شبابها - بطابع الخيبة والهرم الباكر.

لا شك أن الحياة هي للشباب الزاهر، وأن أمة لا تغسل أحزانها أمواج السرور الكبرى لهي أمه تمشي إلى الفناء، فأول ميزات الحياة وآخرها هي «الحياة»، والحياة شيء غير الانكسار، فالخيبة، فالذل، فالبكاء.

أجل إننا في حاجة وجيعة إلى السرور والطرب، ولكن كيف نطرب وكل من حولنا يبكي. لقد تعالى بكاؤنا فغطى بنعيبه كل أصوات الطبيعة الضاحكة حولنا دواما، فهذه السماء الزرقاء، الزرقاء كعيون الأطفال المذهبة الشعور، وهذه الشمس اللامعة ، والأشجار المخضلة إلى مديد من الأيام عديد، وهذه الزرارير المصفرة في أعالي الصنوبر، والطيور المنشدة فوق دوالي العنب وأغصان التين، والغدير المهمهم بين الأعشاب، والشلال الصارخ فوق الصخور، وأمواج الهواء المهينمة في الغابات، كل هذه تنشد أنشودة الحياة زاهية طربة ونحن وحدنا نبكي.

ولآدابنا العربية، بما يتبعها من شعر وموسيقى وإنشاد، اليد القاهرة في تكييف نفوسنا على الحزن والأنين، ولا عجب فآداب الأمم هي صورة حية رسمت فيها مشاهد حياتنا على توالي العصور. وهل في حياتنا - منذ عدة مئات السنين - سوى مشاهد الأسر والذل والفقر والحرمان؟

واليوم، وقد نفخت في الشرق روح نهضة جديدة، وأصبح الشيخ والكهل والطفل يشعر بحاجة إلى «كرامة قومية»، اليوم تدخل آداب لغتنا في طور جديد، فشعراؤنا ينشدون القصائد الحماسية، وأطفالنا في المدارس يغنون القدود الوطنية، ولكن طابع الحزن القديم لا يزال في مكانه، فهو من هذا القبيل لازم الوجود، كختم «المندوبين السامين» على كل قرار يتعلق رأسا بمرافقنا الحيوية في سوريا ولبنان وفلسطين.

خذوا مثلا هذه الأنشودة:

ناپیژندل شوی مخ