نحن نتولى أمر التربية القومية في بيوتنا أولا، إذا كان قضي على هذه البلاد أن تكون كل معاهدها قلاعا تحتلها البعثات المتنوعة احتلالا أشد وطأة من الاحتلال العسكري.
نحن نتولى التربية القومية باتباعنا خطة أكيدة بطيئة لا تحول ولا تزول، مغمضين أعيننا عن كل المساومات التي يمكن أن يعرضها علينا الناس، معتقدين أن العمل علينا وحدنا، وأن كل من يظهر اهتماما بنا إنما يفعل ذلك حبا بنفسه لا حبا بنا.
لقد تسلح الغرب بحماية المسيحيين ليتمكن من الدخول إلى هذا الشرق، ولو لم يوجد فيه مسيحيون لخلق الغربي حجة أخرى - كما خلق الله آدم من التراب. نعم، إن هذا الخروج والولوج أوجد في نفس الغربي شيئا من العطف على شعوب الشرق التي ظلمتها الأيام، على أن أساس هذا العطف هو المصلحة، والمصلحة لا تعرف التحول عن الغاية. ولست أدري كيف يمكن أن نطلب تربيتنا القومية ممن لا يمكنه أن يخلص إلى النهاية.
وبعد أن نعقد النية على إيجاد التربية القومية يجب أن نضحي، والتضحية شيء لا تقدر عليه النفوس المتعودة الصغارة، النفوس التي لا تعرف أن تسمو إلى النور، بل تعيش في الظلمة كما يعيش الخفاش.
لنضح إذن.
ليضح الموظف بأن يرفع جبينه أمام رئيسه الغريب، ومتى ارتفع جبين الفرد ارتفع جبين الأمة.
ليضح الشبان الراحة اليومية والعيش المبطن بالحرير، وليطلبوا الجندية بصوت واحد، فإن الوطن الذي تجبل أسسه بالدم الإفرنسي أو الإنكليزي يكف عن أن يكون وطنا يوم تضن علينا أمهات فرنسا وإنكلترا بحبات قلوبهن.
لتضح الفتاة التي لديها متسع من الوقت، وتساعد أباها على كسب المال، فالمال هو وحده دعامة الاستقلال.
لتضح المرأة المتمولة في سبيل الأمة، فتعطي من مالها المدارس الوطنية والجمعيات الوطنية، وتعطي من نهارها الطويل ساعات قصيرة تصرفها في مستشفيات الأمة ودور أيتامها، وفي سبيل الأطفال الذين تضطر أمهاتهم أن تعرق دما لأجل الرغيف.
لتضح كل نساء الأمة من عبادتهن للمستحدثات الغربية؛ فإن الأموال التي نرسلها إلى أوروبا ثمن جرابات وأزرار وخزعبلات هي دماء الأمة وماء جبينها، بل ماء وجهها، بل هي ثمن صريح للسلاسل التي تزداد حلقاتها كل يوم.
ناپیژندل شوی مخ