نقل ته ابداع ته
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
ژانرونه
وقد أخرج ابن سينا الأمثال والخرافات مثل «كليلة ودمنة» من الشعر. فليس غرضها التخييل بل إفادة الآراء والتحدث عن أشياء ليس لها وجود بعكس الشعر الذي يقوم على التخييل والإبداع والحديث عن أشياء موجودة. والقصص الشعري تخييل الأزمنة وماذا يعرض فيها، وما يكون حال السالف منها بالقياس إلى الغابر، وكيف تنتقل فيها الدول، تدرس أمور وتحيا «أمور».
119
وهذا هو القصص القرآني تعبيرا عن الموروث في أصله الأول. ليس التقابل بين التاريخ والشعر على ما يفعل أرسطو بل بين الخرافة والشعر. ليست الخرافة شعرا نظرا لالتصاق الشعر العربي بالواقع وترفعه عن شطحات الخيال وخلوه خلوا تاما من جانب الأسطورة.
لم تكن فكرة المحاكاة مركزية في كتاب الشعر، ولا تنتظم الكتاب كله في حين أن التخييل مركزي في عرض ابن سينا والبلاغيين العرب. وربما يكون الفارابي أول من استخدمها، ثم استعملها ابن سينا لتفسير المحاكاة التي وردت في ترجمة متى. هذه هي عملية التشكل الكاذب بالنسبة للآخر وليس بالنسبة للأنا، ترك لفظ ووضع لفظ جديد أكثر شمولا واتساعا لاحتوائه. وقد تم توسيع المفهوم بحيث تشعب في فلسفة أرسطو كلها، المنطق وعلم النفس والميتافيزيقا؛ ففي المنطق، المقدمات عند أرسطو يقينية (برهانية) أو ذائعة (جدلية) أو ممكنة (خطابية ). ثم زاد الشراح الشعر مكونا من مقدمات مخيلة. ومن ثم تكتمل نظرية العقل بضم الشعر إلى المنطق. وبالنسبة لعلم النفس لاحظ الشراح أن الشعر لا يخاطب المخيلة فينبه صور المحسوسات المختزنة فيها. ولما كانت المحسوسات وثيقة الصلة بالانفعالات؛ فإن الشعر شديد التحريك لها. وقد لا يحتاج الشراح إلى أرسطو لمعرفة مواجهة المخيلة للإحساس. أما بالنسبة إلى الفلسفة الأولى فالتمثيل هو العلة الصورية للشعر، والمعاني والأفكار علته المادية. ومن ثم تعاد قراءة فلسفة أرسطو كلها من خلال التخييل، والتخييل نفسه قراءة للمحاكاة.
120
لم تكن معرفة الشراح للشعر اليوناني توجها إلى الخارج فحسب، بل كان أيضا إلى الداخل ومعرفة الشعر من البلاغيين العرب. وقد استخدم ابن سينا بعض مصطلحات البلاغيين العرب وبحوثهم في العبارة. فقد تحدث البلاغيون العرب عن التشبيه والاستعارة والمجاز المطابقة والتجنيس والمقابلة حصرها أبو هلال العسكري (395ه) في خمسة وثلاثين نوعا. هذا هو الإبداع المستقل الذي اتصل به ابن سينا، والذي استمد منه مادة جديدة لاحتواء المادة الوافدة؛ فقد استطاع الموروث تمثل الوافد في العرض. وقد يسمى المجاز النقل، والاستعارة المتغير ليس أثرا من متى، بل لاحتواء ألفاظ النقل داخل ألفاظ الإبداع. وإذا استعمل لفظ المطابقة على غير ما استعمله البلاغيون؛ فلأنه يشق طريقه بين الوافد والموروث. وتلك هي عملية التحول من النقل إلى الإبداع.
ولقد أدخل المسلمون منطق الظن مع منطق اليقين في علم المنطق العام أي قوانين الفكر وقواعد الكلام. أدخل الفلاسفة المسلمون مثل ابن سينا وابن رشد الشعر في المنطق. ونظرا لأن الشعر يرمي إلى تسليم السامع بما يقوله القائل فقد ألحق بالجدل والخطابة. وهنا يحدث التمايز بين الأنا والآخر، الشعر جزء من نظرية أعم في المنطق عند الأنا وإخراج الشعر من المنطق والمنطق من الشعر عند الآخر، وقد اعتبر البلاغيون الشعر نوعا من الاستدلال إدخالا للجزء في الكل، والظن في اليقين، باعتبار كل ذلك نظرية في العقل. فكل تشبيه أو استعارة أو كناية قياس منطقي حذف منه الحد الأوسط والنتيجة.
121
ويرد ابن سينا الحيل الشعرية إلى النسب بين الأجزاء مما يدل على غلبة التصور العقلي الرياضي كما هو الحال في المنطق.
وينقل ابن سينا كتاب الشعر من بيئته اليونانية إلى بيئته العربية؛ فهو مزدوج الثقافة. الثقافة اليونانية علوم وسائل، والثقافة العربية علوم غايات. لا عجب إذن أن يعرف ابن سينا أوزان الشعر اليوناني وفنونه من قراءاته العامة كمثقف مزدوج الثقافة وأن يتحدث عن أصناف الأشعار اليونانية وأغراضها وأوزانها، لكل غرض وزنه، ولا يحتفظ ابن سينا بالصورة العامة لكتاب أرسطو تقليدا، بل لأنه عرضه على العقل فقبله وعلى بنية الموضوع فتطابق. ومع ذلك يحتفظ بالجو اليوناني لكتاب الشعر خاصة المصطلحات دون إسراف في المقارنات بين النوعين من الشعر، اليوناني والعربي. استخدم ابن سينا الكلمتين المعربتين طراغوذيا وقوموذيا بدلا من المديح والهجاء في الترجمة عودا إلى التعريب بعد استقرار الترجمة حرصا على الأصل. ولا يستشهد بالشعر العربي إلا في الفصل التمهيدي أي الإعلان عن الخصوصية العربية والبيئة الثقافية الجديدة بعد حذف كل الأمثلة اليونانية التي لا يعرفها القارئ العربي.
ناپیژندل شوی مخ