نقل ته ابداع ته
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
ژانرونه
وسبب تأليف منطق المشرقيين هو جمع كلام فيما اختلف أهل البحث فيه دون التفات إلى عصبية أو هوى أو عادة أو إلف، وعدم المبالاة بالاختلاف لما ألفه متعلمو كتب اليونانيين من غفلة وقلة فهم، ولما كتبه من قبل للعامة من المتفلسفة المشغوفين بالمشائين الظانين أن الله لم يهد إلا سواهم؛ فابن سينا ينقد متعلمي كتب اليونانيين، ويريد أن يكتب مستقلا عنهم غير مبال بالاختلاف معهم. وكان قد كتب من قبل موسوعاته الثلاث للعامة المتفلسفين المشغوفين بالمشائين لبيان أن الكتابة في علمهم سهلة ميسورة. واليونانيون ليسوا وحدهم مصدر العلم بل قد يأتي العلم من غير اليونانيين. فإذا كان اليونانيون قد أعطوا المنطق فقد يكون للمشرقيين منطق سواء بنفس الاسم أو باسم غيره. لقد ألف ابن سينا طبقا لعادة المشتغلين باليونانيين المعتزين بهم لعدم مخالفة العادة والجمهور. انحاز إليهم بل ومتعصب لهم فهم أولى بالتعصب لهم من غيرهم ولكنه أكمل ما أرادوه وقصروا فيه وأغضى عن ما أغمضوا وتخبطوا فيه أو وجد له مخرجا. جاهر بمخالفتهم فيما لا سكوت عنه، وغطى ما بقي منه.
22
وفي «القياس» يذكر أيضا المعلم الأول وليس أرسطو تحولا من الشخص إلى الرمز، ومن التاريخ إلى الفكر.
23
كما يذكر التعليم الأول أي العلم وليس الشخص، والتحول من المعلم الأول إلى التعليم الأول خطوة في التحول من الشخص إلى الموضوع، ومن العالم إلى العلم، ومن المؤلف إلى النص ومن الشخص إلى الموضوع، ومن الفرد إلى الشيء. المعلم الأول بالنسبة لأرسطو لا مشخصا أولا، وصاحب التعليم بالنسبة للمعلم الأول لا مشخصا ثانيا.
كل الصناعة مستفادة من المعلم الأول بالفعل لا بالقوة كما أن المسلمين أصحاب نبوة. لديهم خاتم الانبياء ونهاية الوحي. فأرسطو بالنسبة للمنطق مثل الرسول بالنسبة للوحي، كلاهما منطق، منطق العقل ومنطق الدين والمنطق المعياري الذي يرجع إليه كمقياس. ويعتمد ابن سينا على هذا الموقف ليستنتج المحالات من الرأي المخالف وعندما يكون له موقف نقدي من المنطق. والمعلم الأول لا يعلم حال قياس الخلف إلا على سبيل التذكير والتجريد عن المادة واستعماله وقبوله على نحو طبيعي. وقد اتبعه جالينوس في ذلك. وغرض المعلم الأول أن يجعل الأوسط جزئيا لا عموم له. ولا يبالي في الأمثلة أن تكون الحدود على كل ذلك التواطؤ. لابن سينا موقفه المنطقي. وعلى أساس هذا الموقف ينبغي فهم قول المعلم الأول. ابن سينا هو النص والمعلم الأول هو الشارح. ابن سينا هو المقروء والمعلم الأول هو القارئ. ابن سينا هو المتبوع والمعلم الأول هو التابع. ابن سينا هو المجتهد والمعلم الأول هو المقلد. ابن سينا خير من يعلم المعلم الأول، ما قاله وما لم يقله. يصحح استشهاد الآخرين به، إيجابا أم سلبا. وعلى أكثر تقدير فهو أرسطو صاحب التعليم الأول وابن سينا الراوي الصادق عنه والمبرهن على صدق كلامه.
24
ويأخذ جالينوس لقب الفاضل من المتأخرين وهو الأغلب أو الفاضل فقط وهو الأقل تحولا من الشخص إلى الرمز، ومن المؤلف إلى الموقف، ومن الخاص إلى العام، ومن الفرد إلى الفعل، ومن العالم إلى السلطة العلمية أي من الزمان إلى الخلود. وأحيانا تتغير صياغة اللقب إلى الفاضل من المتأخرين؛ فاللقب لم يستقر بعد وإن استقر التحول من الشخص إلى اللاشخص. يحق للفاضل المتأخر أن يمدح المنطق. ومع ذلك فللفاضل من المتأخرين سبيله الخاص وموقفه الخاص في المنطق وليس بالضرورة موافقا لمنطق أرسطو. ويبين بوجه حسن ما يعلنه المعلم الأول وهو حال قياس الخلف على سبيل التذكير والتجريد من المادة وبيان أن استعماله وقبوله طبيعي. كما أن ابن سينا يرفض قول فاضل المتأخرين من اعتبار المقدمات المستعملة في مناقضة مالسيس وبارمنيدس مقدمات منطقية لأن ذكر فيها الكم والتناهي، وأن التناهي للكم بذاته أو لغيره لأن النظر في الكم ولواحقه ليس نظرا منطقيا. ويرفض تفسيره كما يرفض تفسير شيخ النصارى.
25
ويذكر بقراط باسمه أو بلقبه، الطبيب الفاضل أو الفاضل تحولا أيضا من الشخص إلى اللاشخص، ومن الجزئي إلى الكلي ومن الفرد إلى الدلالة. الطبيب منطقي ينظر إلى المنطق كأداة للاستدلال. ليس الطب علما تجريبيا فقط، بل هو علم منطق وأخلاقي كذلك. والعجيب أن الفاضل يرى أن المنطق فضلا على الطب كما يظهر ذلك في الكتاب المنسوب إلى بقراط وهو الفصول. لذلك آثر المسلمون جالينوس الطبيب المنطقي على بقراط الطبيب الخاص. كان جالينوس أفضل المتأخرين في حين كان بقراط هو الفاضل فحسب، ومع ذلك يقر الفاضل بما يقوله ابن سينا؛ فابن سينا هو المقروء، والفاضل هو القارئ.
ناپیژندل شوی مخ