ناپلیان بوناپارت په مصر کې
نابوليون بونابارت في مصر
ژانرونه
كل ذلك قبل الدخول في الحملة الفرنسية.
وتفتحت معي الأبواب، وتشعبت المسال، ووجدت نفسي أسبح في بحر خضم من عويص المباحث، ومختلف الكتب والرسائل، والمذكرات الشخصية والعمومية عن الحملة الفرنسية، بحيث لم أصل - بعد مزاولة العمل خلال سنوات أربع، تتخللها فترات انقطاع واشتغال بشئون الحياة - إلى نقطة يحسن الوقوف عندها، إلا نقطة مبارحة نابوليون أرض مصر، وجاء ذلك في هذا المجلد الضخم بهذا الحرف الصغير!
وكل ذلك لم يرد على نصف الجزء الأول من هيكل الكتاب كما كنت قد رسمته وصورته في مخيلتي، فوقفت ثم أخذت أبحث عن كتب لم أطلع عليها، ومذكرات لم تصل يدي إليها، فاتسع المجال، وانفسح ميدان الخيال. •••
وألقت الحرب أوزارها وارتفع كابوس الاعتقال، فطويت صحائف الكراريس والمسودات والتعليقات والمذكرات، وهرعت إلى ميدان العمل في النهضة الوطنية، والحركة السياسية والصحافية، على أمل أن أعود إلى الكتاب فأتمه وأكمل ما فيه من نقص في فرصة أخرى.
ومرت على ذلك سنوات خمس والكتاب في صحائف مبعثرة، وأوراق متناثرة، ومذكرات ومقتطفات متنوعة، وتعليقات متوزعة ... وقد مل شيطاني، وهجر دماغي؛ لأنها امتلأت كخلية النحل، بكثير من المشاكل التي تلهي عنه، وكدت أنسى ما كتبته حتى أهملته، لولا حنين كان يتولاني من آن لآخر، ولولا أن زوجي الفاضلة كانت تذكرني به في أوقات مختلفة؛ لأنها اشتركت فيه معي بروحها، وبمساعدتها لي في تعريب بعض القطع من الفرنسية إلى العربية، في الأيام التي قضيتها معها في شبه منفى بالإسكندرية، ومع كل هذا فلم أقدم على مباشرة طبع الكتاب أو تنقيحه؛ لأنني اعتقدت أنه عمل ناقص، وأنه ليس في مقدوري ولا من رغبتي أن أتمه، وكنت أسوف، وأؤمل أن أنقطع له مرة أخرى، ولكن الفرص لم تتهيأ والظروف لم تساعد.
وحدث أنني مرضت ذات مرة في صيف العام الماضي وتولاني يأس من الحياة وخيل لي أن المنية عدت قاب قوسين أو أدنى، فكان أشد ما يحزنني أنني قد أموت قبل أن أبرز للوجود هذا الذي عملته! فلما من الله بالشفاء نظرت إلى مسودات هذا الكتاب، وقلت في نفسي: قد أمرض ثانية وأموت ولا يتم هذا العمل ولا يطبع ولا ينشر، وهيهات أن يتولى إنسان تنقيحه وطبعه بعدي، وهكذا يزول من الوجود أثر من عمل أجهدت فيه نفسي، وانصرفت إليه بكل ما في روحي من لذة معنوية ورغبة صادقة أدبية ووطنية.
فخطر لي أن أبدأ بطبع ما كتبت وأن أكتفي بما إليه وصلت، ولئن يظهر هذا العمل، على غير إرادتي، ناقصا - أو بعبارة أخرى، أقل مما كانت تصبو إليه نفسي، وتتوجه إليه مطامعي - فذلك أولى من أن لا يظهر مطلقا، وأولى من أن تعدو عليه العوادي فتذهب به كأن لم يكن، وكأن لم أقض في مزاولته عدة سنين من زهرة الحياة!
واختمر هذا الرأي بنفسي فأقدمت، وشرعت في طبع ما كتبت، وأنا آسف على أن الزمن لم يسمح لي بأن أصل بالكتاب إلى ما أردت، أو ما إليه طمحت!
ومع ذلك كانت تعاودني رغبة الإصلاح والإتقان فكنت أمعن في البحث والفحص، وكثيرا ما كنت أوقف الملزمة أسبوعا وأسبوعين حتى أحقق بعض النقط في بعض المصادر التي كنت أعثر عليها في المكاتب، ثم أحور وأغتر، وأزيد وأنقص، وقد صبر معي القائمون «بمطبعة مصر» صبرا جميلا يشكرون عليه، حتى وصلت إلى النتيجة التي يراها القارئ بين يديه.
وها هو الآن بين يدي قراء اللغة العربية وأترك لهم الحكم عليه وعلى قيمته وحقه في المنزلة التاريخية والعمل الأدبي، وكيفما كان حكمهم الذي يصدرونه عليه، فإنني واثق من شيء واحد، وهو أنهم سيعترفون معي أنني وضعت أسلوبا جديدا في كتابة التاريخ العربي، وأنني رسمت خطة لمن يريد أن يقتفي أثرها ويزيد في تحسينها وإتقانها، وأنني بعراة أوجز قد أزلت بعض الأنقاض، ورفعت قليلا من الأتربة المتراكمة في طريق من يريد السير في إتمام هذا العمل.
ناپیژندل شوی مخ