185

ناپلیان بوناپارت په مصر کې

نابوليون بونابارت في مصر

ژانرونه

وربما سأل سائل: وكيف كان يمكن الاتفاق والمخابرة مع المماليك في الوجه القبلي، والفرنساويون في جميع بلاد القطر المصري قد سدوا في وجوههم السبل وضيقوا عليهم المذاهب؟ والجواب على هذا هو أن طرق الصحراء شرقا وغربا، كانت في أيدي العربان، وهم موالون للمماليك والأتراك، فأولئك كانت مهمتهم إيصال الأخبار والمراسلات بين مصر وسوريا وشواطئ طرابلس الغرب حيث تلقي السفن الإنكليزية مراسيها، ويلتقي ضباطها بالعربان، ويزودونهم بالرسائل والأموال لرؤساء البدو والمماليك، فيسير أولئك في الصحراء من واحة سيوه إلى وادي النطرون ثم إلى الفيوم وغيرها.

فلما تم وضع نظام تلك الخطة تحرك مراد بك بمن معه من المماليك من الصعيد إلى مديرية البحيرة، وانحدر محمد بك الألفي وعثمان بك الشرقاوي على الضفة اليمنى من النيل ومعهما نحو ثلاثمائة من فوارس المماليك، وانضم إليهم نحو ثلاثمائة أخرى من عرب الصحراء الشرقية، وعسكر هذا الجيش في البقعة المسماة «سبع آبار» بين السويس ومصر، وكان ذلك في 7 يونيه سنة 1799 «الموافق يوم الأحد 3 صفر سنة 1214» وأخذت الرسل تذهب وتجيء بين ذلك المعسكر وأهالي الشرقية لتحريضهم على الثورة في وجه الفرنساويين، فتنبه لذلك الجنرال لاجرانج

Lagrange

المتولي القيادة في الشرقية، فزحف بفرقة من الخيالة ونصف أورطة من الهجانة وباغت ذلك الجيش الصغير من المماليك والأعراب واحتاط به في ليلة «22 يوليه/8 صفر» ودارت بين الطرفين معركة غير منتظمة انتهت بتشتت المماليك وقتل كثيرين منهم، وغنم الفرنساويون عددا وافرا من الجمال، وجميع ما كان مع تلك القوة من الميرة والذخيرة وأسروا نحو ثلاثين مملوكا جيء بهم إلى القاهرة، وهذه الرواية عن المصادر الفرنسية، لا تختلف كثيرا عن رواية الجبرتي التي سردها في حوادث 11 صفر، «أي: بعد أربعة أيام من حدوث الواقعة»، وإنما ذكر الجبرتي أن القوة التي داهمت المماليك كانت مؤلفة من «جماعة من العسكر المنضمة إليهم» ثم قال: «فلما داهموهم بادروا بالفرار وركب عثمان بك بقميص واحد على جسده وطاقية فوق رأسه، وتركوا متاعهم وحملتهم، ووجدوا على فراش عثمان بك مكاتبة من إبراهيم بك يستدعيهم للحضور إليه بالشام.»

والحقيقة أن عثمان بك ومن معه استدعوا لانتظار إبراهيم بك ومماليكه وجيش الجزار، بناء على التعليمات الواردة من رسل الإنكليز، فأما إبراهيم بك - وهو دائما شديد الحرص - فكان يسير من غزة على مهل لكيلا يدخل مصر قبل قدوم الجيش العثماني من رودس، وذلك خوفا من الوقوع في أيدي الفرنساويين، فلما جاءه خبر تلك الهزيمة لعثمان بك والألفي بك عاد أدراجه إلى سوريا، وأما الجزار الخبيث فاكتفى بعودة الفرنساويين من سوريا، واستخلاصه هو عكا، وامتداد نفوذه في الولايات السورية، ثم قلب للدولة العثمانية وللإنكليز ظهر المجن، ولم يحفل بفرمانات الدولة، ولا برسائل يوسف باشا الصدر الأعظم، الذي قدم بجيش عظيم إلى سوريا قاصدا مصر، وكذلك لم يحفل بخطابات السر سدني سميث صاحب الفضل الأكبر عليه، ذلك الذي أنقذه من مخالب الفرنساويين وأبقاه سلطانا مستبدا في عكا وسوريا، فلم يبعث ذلك الطاغية بما وعد به من الجند، ولا ما وعد به من الميرة والذخيرة إلى الجيش العثماني القادم بحرا، ولذلك حنق عليه السر سدني سميث وعزم على التنكيل به، كما يؤخذ ذلك صريحا من نص خطاب عثرت عليه في كتاب تاريخ الأمير حيدر الشهابي، مكتوب من السر سدني سميث إلى الأمير بشير الشهابي بعد هذا التاريخ بستة أشهر،

2

وأما مراد بك فتحرك بمن معه من الممالكي والعربان من الفيوم سائرا في طريق الصحراء إلى أن وصل إلى جهة وادي النطرون في مديرية البحيرة، وهناك وقعت بينه وبين الجنرال «مورات» قائد الخيالة المشهور في تاريخ الحروب النابوليونية في أوروبا، موقعة انتهت بهزيمة مراد بك ورجوعه بمن معه من فوارسه إلى مديرية الجيزة جنوبا، وفي رواية أخرى أن الجنرال «مورات» سبق مراد بك إلى وادي النطرون فلما قدم هذا ورأى قلائل في أثناء تعقب الفرنساويين له، وتجد أخبار الذين أسروا من المماليك في حوادث الأسبوع الأول من شهر صفر من يوميات الجبرتي.

ونقل لاكروا عن المذكرات التي أملاها نابوليون في سنت هيلين أن مراد بك لما عاد من البحيرة إلى الجيزة وصل إلى جهة الأهرام وصعد إلى قمة الهرم الكبير في يوم 13 يوليو، وأخذ يتبادل الإشارات مع زوجته السيدة نفيسة وهي فوق سطح منزلها، قال: ولما تناقل الناس في القاهرة خبر هذه الإشارات قلقت السيدة المذكورة، وخافت أن يلحق بها الفرنساويون أذى، فذهبت إلى منزل الجنرال بونابرت وطلبت مقابلته، فتلقاها بكل احترام وإكرام، وأكد لها أنه لم يحفل بما وجه لها من التهم ثم قال لها: «ولو أنك تريدين الاجتماع بزوجك لما تأخرت عن أن أهادنه أربعة وعشرين ساعة لكي تلتقيا، إذا كان في هذا ما يسرك ويسره.» ولولا أن سند هذه الرواية قوي ومصدرها مما يجب الوثوق به، لما حفلنا بها ولما اعتقدنا صحة وقوعها على تلك الصورة، وكيفما كانت حقيقتها فمما لا شك فيه هو أن نابوليون كان شديد الميل - وخصوصا في ذلك الوقت - إلى الاتفاق مع مراد بك، ولا يبعد أنه أراد أن يتخذ من منزلة السيدة نفيسة ومكانتها لدى زوجها، وسيلة للصلح والتحالف معه، ولقد كانت السيدة نفيسة دائما موضع إكرام الفرنساويين وإجلالهم، وكان يحتمي في نفوذها نسوة أمراء المماليك وغيرهن من كبار وصغار.

3

ولقد أدرك نابوليون بثاقب فكره أن تلك الحركات المتوافقة في الشرق والغرب، وتلك التنقلات في الصحارى المحرقة في فصل الحر الشديد، ليست إلا مقدمة لحركة حربية من جانب أعدائه، ولذلك انتقل بجزء كبير من الجيش في 14 يوليه إلى جهة الجيزة، وأصدر أمر الجنرال برتبة رئيس هيئة أركان الحرب بأن يجهز حملة بالبطاريات والمدافع وينتقل بها إلى جهة الأهرام، وقضى نابوليون ليلته معسكرا في تلك البقعة، وإلى هذه الفترة تنسب الإشاعة التي رواها بعض المؤرخين الذين قالوا إن نابوليون استدعى مشايخ المسلمين إلى الجيزة وسار بهم إلى الأهرام، ثم أعلن إسلامه هناك، وإنه دخل الهرم الكبير، وقد نفى «بوريين» في مذكراته هذه الرواية، وقال: إن نابوليون لم يستدع المشايخ ولم يعلن إسلامه، بل ولم يدخل الهرم أبدا!

ناپیژندل شوی مخ