ناپلیان بوناپارت په مصر کې

احمد حفيظ عوض d. 1369 AH
135

ناپلیان بوناپارت په مصر کې

نابوليون بونابارت في مصر

ژانرونه

Dupres

وخلص «جومار» العالم الكبير لحسن حظه وحظ العلم، وقد كتب «دينون» فصلا مطولا في كتابه عن مركز رجال العلم في دارهم، وكيف كافحوا وقاوموا حتى أخمدت الثورة، وله كلمات حلوة جميلة عن الجنرال «ديبوي» وخصوصا عن الضابط البولوني «سولسكي» الذي قتل بعد ذلك.

وروى نابوليون في تقريره أن المشايخ من أعضاء الديوان وعلماء الأزهر قصدوا الجهات التي تترس فيها الثائرون ونصحوهم بالكف عن القتال، وبينما يذهبون إلى كبير الفرنساويين ويمهدون أسباب الصلح، فلم يستمعوا لهم وسبوهم وهددوهم بالقتل إن تعرضوا لهم، عند ذلك يئس نابوليون من إنابة القوم إلى رشدهم فأصدر أمره عند الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الاثنين بإطلاق القنابل على الجامع الأزهر وما حوله من الجهات حيث يوجد الثائرون، قال الجبرتي: «وتعمدوا بالخصوص الجامع الأزهر، وحرروا عليه المدافع والقنبر، وكذلك ما جاوره من أماكن المجاورين، كسوق الغورية والفحامين، فلما سقط عليهم ذلك ورأوه، ولم يكن في عمرهم عاينوه، نادوا يا سلام، من هذه الآلام، يا خفي الألطاف، نجنا مما نخاف، وهربوا من كل سوق، ودخلوا في الشقوق.»

ولا يكاد الإنسان يتلو عبارة الجبرتي، التي نقلناها، حتى يشعر بشيء من الاستهزاء أو الضحك، الذي هو أشبه بالبكاء لسخافة أولئك القوم، وتصورهم إمكان مقاومة الفرنساويين، وهم عزل من السلاح، محصورون من جميع الجهات، ومع خصمهم المدافع الكبيرة، والقنابل الكثيرة! قال الجبرتي بعد كلام طويل على ذلك النسق الغريب: «وتتابع الرمي من القلعة والكيمان، حتى تزعزت الأركان، وهدمت في مرورها حيطان الدور، وسقطت في بعض القصور، ونزلت في البيوت والوكائل، وأصمت الآذان بصوتها الهائل، فلما عظم الخطب، وزاد الحال والكرب، ركب المشايخ إلى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل، ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ... فلما ذهبوا إليه عاتبهم في التأخير، واتهمهم بالتقصير، فاعتذروا إليه فقبل عذرهم، وأمر برفع الرمي عنهم فقاموا من عنده وهم ينادون بالأمان في المسالك، وتسامع الناس بذلك، فردت فيهم الحرارة، وتسابقوا لبعضهم بالبشارة، واطمأنت القلوب، وكان الوقت قبل الغروب، وانقضى النهار وأقبل الليل.» •••

وأول ما يتبادر لذهن القارئ من تقرير نابوليون لحكومة الديكتوار أنه أراد تلطيف ذكر هذه الثورة وتخفيض شأنها لكي يفهمهم في باريز أن مركزه في مصر محفوف بالأخطار، وأنه مقيم بجيشه وسط شعب يتحين الفرص للانقضاض عليه، أو للانقضاض عنه، فلذلك اكتفى نابوليون بالقول إنه ما كاد يطلق قنابل المدافع على الثائرين مدة عشرين دقيقة، حتى تبدد شملهم، واحتل الجنود الجامع الأزهر وزهقت روح الفتنة!! في حين أن الحرب بقيت سجالا في جزء كبير من الليل كما يشهد بذلك الجبرتي؛ إذ يقول: إن أهل الحسينية، والعطوف البرانية، استمروا على القتال إلى أن مضى من الليل نحو ثلاث ساعات، وما منعهم عن الاستمرار إلا لأن البارود قد فرغ منهم، فعجزوا عن المقاومة، ولم يدخل الفرنساويون المدينة - على رواية الشيخ - إلا «بعد هجمة الليل، دخل الإفرنج المدينة كالسيل، ومروا في الأزقة والشوارع، لا يجدون لهم من ممانع، كأنهم الشياطين، أو جند إبليس اللعين، وهدموا ما وجدوا من المتاريس، وكروا ورجعوا، وترددوا وما هجموا، ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول.»

وحكاية الشيخ الجبرتي الأزهري عما عمله الفرنساويون في الجامع الأزهر من أنواع الإساءة وخرق حرمة ذلك المكان المبجل، من العبارات التي تملأ الفؤاد حسرة، والنفس كآبة، ولولا خوف التطويل لنقلناها عنه فليراجعها من يشاء وإنما نذكر هنا أن الجنود الفرنساوية وخيولها بقيت في الجامع الأزهر من مساء يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء؛ إذ يقول الجبرتي: إن المشايخ ذهبوا في ذلك اليوم إلى نابوليون ورجوه في إخراج العسكر من الجامع الأزهر «فأجابهم لذلك السؤال، وأمر بإخراجهم في الحال» ... ولكن المعلم نقولا الترك يقول: إن نابوليون لم يجب المشايخ إلى طلبهم ثم قال: «فانصرفوا من أمامه باكين «كذا» وعلى أحوالهم نائحين، وتأسفوا على جامع الكنانة، وخراب الديانة، ثم في ذلك النهار أرسلوا له الشيخ محمد الجوهري، وكان في كل حياته ما كان يقابل أحدا من الحكام، ولا يتعرض إلى أمور العوام، وفي دخوله قال له: ما قابلت حاكما عادلا أو ظالما، والآن قد أتيت متوسلا إليك أن تأمر بإخراج العسكر من الجامع الأزهر، وتغفر ذنب هؤلاء القوم الغجر، واتخذني مدى العمر داعيا لك ناشرا فضلك، فانشرح أمير الجيوش من ذلك الخطاب، وانعطف قائلا: إنني عفوت وصفحت عن أحبابك، لأجل خطابك.»

وقد جارى جورجي زيادان المعلم نقولا في روايته عن شفاعة الشيخ محمد الجوهري، ونحن لا نتعرض لنفيها أو إثباتها، ولكنا نستغرب إهمال الجبرتي لها، مع أنه أولى بمعرفتها لصداقته وثقته بالشيخ الجوهري، ثم نقول: إن ما ذكره المعلم نقولا عن الشيخ الجوهري، من حيث اعتكافه وعدم زيارته للأمراء والحكام صحيح؛ إذ كان ذلك الرجل من أهل الفضل والمكانة السامية؛ لأنه من أهل العلم ومن بيوت الحسب والجاه، ذكره الجبرتي في وفيات سنة 1215 وقال عنه: إنه كان من الذين حضروا على والده الشيخ حسن الجبرتي، وكان آية في الفهم والذكاء وألقى الدروس بالأشرفية وأظهر التعفف والامتناع عن خلطة الناس، والذهاب والترداد إلى بيوت الأعيان، وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده، وتردد الأمراء على داره وسعوا لزيارته، وكانت شفاعته لا ترد عندهم، وطار صيته في الآفاق ووفدت الوفود عليه من الحجاز والهند والشام والروم، وطلب لمشيخة الجامع الأزهر فأبى، ولكنه نقض ما أبرمه العلماء والأمراء ورد المشيخة للشافعية بعد أن كانوا قد عينوا فيها الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي، وعين الشرقاوي بعد العروسي بإشارته، ولم يذكر الجبرتي في ترجمة الشيخ الجوهري المطولة أنه زار نابوليون أو رجاه، وكل ما ذكره من علاقته بالفرنساويين قوله: «ولم يزل وافر الحرمة معتقدا عند الخاص والعام، حتى حضر الفرنساوية واختلت الأمور وشارك الناس في تلقي البلاء، وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والأمراض، وحصل له اختلاط لم يزل حتى توفي يوم الأحد حادي عشرين شهر القعدة بحارة «براجون» وله عدة مؤلفات في العلوم والمباحث الشرعية ذكرها الجبرتي، وهي تربوا على الثلاثين مؤلفا رسالة.

ولم يقتصر أمر الثورة على سكان القاهرة إذ كان من الطبيعي أن تنتشر الأخبار في البلاد المجاورة فيسارع الفلاحون والعربان لنصرة إخوانهم، وفعلا قدم إلى القاهرة من جهة القليوبية عدد كبير من الفلاحين والبدو فاضطر نابوليون أن يبعث بفرقة من الخيالة تحت قيادة الجنرال دوماس

Dumas

لمقاومة الفلاحين بالقرب من بلدة القبة وعزبة الزيتون فحال بينهم وبين القاهرة.

ناپیژندل شوی مخ