أيتها الملاك، إن حياة الغد بين يديك، أنت الجحيم وأنت النعيم، وتحت إرادتك حياة الوطن وموته، قدرتك عظيمة أيتها الغادة اللطيفة، فلا تستعمليها للشر كشيطان، بل حوليها لخير أخيك وخطيبك، كوني ملاكا كما نعتقد بك، فتعدي لنفسك جنة الحياة الدنيا قبل جنان الخلود.
فتاة لبنان
خير الروايات ما تسبر فيها جراح الأمة، وأرقاها ما ترك في نفس المطالع ميلا إلى الإصلاح. ***
مر الهزيع الثاني من الليل والصبية لم تنم بعد.
نام أبوها منهوك القوى من العمل في الحقول طول النهار، ورقدت أمها قرب أختها الصغيرة، وساد السكوت على تلك العيلة الهادئة التي تحيا بالعمل، ولا يدخل بابها رغيف خبز ما لم يقطر من جباه أفرادها ما يعادله عرقا.
بين ذلك السكوت العميق في قلب الظلام المجلل الحرش والرامي أطرافه على القرية الحقيرة، كان البيت الصغير مختلطا مع أشباح الليل، منفردا تناجيه أرواح الطبيعة التي تتساوى عندها الأكواخ والقصور.
كان السراج يبعث نورا ضئيلا على الأوجه الأربعة: ثلاثة منها لا يرتسم على جباهها غير تموجات الخيال الذي ترسله الأحلام، حينما يقوم الوهم مقام الأفكار قاسما حياة المرء إلى شطرين؛ شطر الراحة وشطر العذاب، والوجه الرابع ذلك الوجه المستدير المشرق بعينين زرقاوين كالسما الصافية تحطاته دائرة من الشعر الأشقر، كأنه هالة شفافة على أطراف القمر، ذلك الوجه كان مستندا على كف عبثت بها المياه المحرقة في معمل الحرير، ولكن زندها العاري الناصع البياض لم يزل ناعما صافي اللون، كأنه مسبوك من شعاع الشمس، أو مكون من ذرات الأثير الوردي عند الشروق.
لو أتيح لشاعر أن ينظر من الكوة المفتوحة إلى داخل البيت لتوهم أن القمر المتعب من ذرع السماء قد ولج هذا المسكن الحقير ليرتاح من مصافحة السحب ومناجاة العاشقين، ولكن القمر كان لم يزل بعد وراء الجبل العالي يتقدم ببطء؛ ليتسنم ذروته ويقف مرسلا شعاعه إلى الكوة المفتوحة؛ حيث القمر الإنساني ينتظر شروق أخيه.
وردت الصبية أنظارها إلى النافذة، فتلاشى ما كان يحمله ذلك النظر المتقد بين ذرات النور الضعيف المنبعث من السراج الساهر مع عيني الغادة الساهدة.
مر الهزيع الثالث من الليل، فأطل القمر من على الرابية فترجرج الظلام الساكن في مطارح شعاعه، وما لبث حتى انجلت دقائق الوشاح الليلي عن جثمان الطبيعة الأبدية، فتحركت الطيور في أعشاشها وقد خدعها شبيه النهار، وصغرت دوائر النجوم السابحة في الفضاء كأنها تراجعت إجلالا لملك السكون.
ناپیژندل شوی مخ