سر التهذيب مبني على ملامسة النفس التي تريد ترقيتها، وأنت أيتها المرأة إذا لم تكن روحك راقية فعبثا تحاولين الظهور بمظهر الفضل، إذا كانت عين الجسد تغش بالمنظورات فالنفس لا تخدع، وخصوصا نفس الولد؛ لأنها قوية تشعر بالخفايا ولا يطلى عليها المحال ... أيتها المرأة لقد قيل عنك: إن من تهز السرير بيمينها تهز الدنيا بشمالها، وأنا أرى تلك الشمال التي تهز الدنيا ليست اليد بل هي القلب، هي قوة العاطفة التي تغير وجه الأرض.
إن الرجل خرج من الميتة بواجب العمل والجهاد للحياة، أما أنت فما ألقى الله عليك غير واجب المخاض والولادة، فاركعي إلى جنب السرير أيتها الأم؛ لأن السرير وحده يجب أن يكون محور حياتك؛ فالأمومة محجتك القصوى في هذه الدنيا. •••
كتبت عن شيخة بلادي وعقيلة رجاله وأم بنيه، فلم يبق علي غير كتابة صفحة إلى خطيبة شبانه وامرأة غده، وليست هذه الصفحة إلا خلاصة الصفحات المتقدمة، ويكفي للآنسة أن تتمعن مليا بما خاطبت به المرأة لتتعلم من أدواء أختها ما يكفل لها حسن المقبل والابتعاد عن التورط والسقوط.
أيتها الآنسة، أنت اليوم بموقف يباين موقف امرأة اليوم حينما كانت آنسة مثلك، وسطك أشد ضلالا وكل ما يحتاطك يتكاتف على إلقاء الهوان عليك، امرأة اليوم كانت ربع متمدنة وها هي الآن تئن وتشكو، وأنت اليوم نصف متمدنة فسوف يزيد أنينك عن أنينها ويربو عذابك على عذابها إذا لم تتداركي الشقا قبل حلوله.
أيتها الغادة، إن مباديك ستكون أساسا لألفة الغد؛ لأن علم الرجل ينحصر تأثيره على ثروة البلاد وفقرها، أما أنت فمن علمك يتكون أدب الأمة، ومن قلبك تنبعث سعادتها، وأنت اليوم تحصرين علمك بما يقهقر أدبنا وتربين قلبك على ما يولد شقاءنا.
يا ابنة سوريا، إن لكل شعب تمدنا خاصا ولغة خاصة يجعلانه مميزا عن بقية الشعوب، أما بنو سوريا فهم اليوم خليط من كل أمة، آدابهم مجموعة من أضاليل كل الأمم، ولغتهم ممزوجة بكل لغة، فقدنا استقلال التجارة والحاصلات فأجبرنا الاقتصاد السياسي على التوسع بعلوم الأجانب وإتقان لغاتهم، وهذه هي أول مظاهر العبودية في الشعوب، نحن تعلمنا الإفرنسية والإنكليزية وأهملنا لغة أجدادنا؛ لأن أرضهم لم تعد تدر علينا، ونحن لم نعد نحنو عليها، تعلمنا هذه اللغات؛ لأن تمدننا سبق قوانا فانسلخت أعمالنا عن أميالنا، ولو أمكن لأبناء سوريا أن يعيشوا بوحدة لغتهم لما فضلوا عليها لغة، وما ألقوا وراء المحيط رحالا.
رجل الوطن مضطر أن يتفرنج بلسانه، ولكن أنت ياغادة الوطن وأساس آدابه، من أجبرك على إدخال التفرنج إلى أعماق قلبك؟
إذا كان التفرنج متسلطا على السوق والمكتب والإدارة بقوة الضرورة، فأية ضرورة صيرت مهد أطفالنا خاليا من كل هيئة سورية وكرامة عربية؟ أيتها الغادة، إن رجالنا مضطرون إلى التفرنج بلسانهم وبدفاتر تجارتهم، ولكنهم سوريون بقلوبهم، عرب بآدابهم، ولكن إذا دام الحال على ما هو من أمر تهذيبك، فسوف يصبح السوريون أجانب حتى بأعماق قلوبهم، دماغ الرجل موقوف على أعماله أما عواطفه وأمياله فموقوفة على عواطفك وأميالك.
ليقو حب الوطن في قلبك أيتها الغادة، فلا يلبث حتى تري الرجل يهرق دماءه في سبيل الوطنية، تعلمي لغة البلاد وتعودي أن تلذ لك آدابها ويحرك قلبك شعرها، فلا يطول الزمن حتى تري اللغة مرتقية وأشعارها ترن في الخافقين، وكلها وحي العواطف ومودع الأدب والرقي، أما إذا بقيت محولة كل قواك إلى اقتباس لغات الأجانب وتقليد تمدنهم بكل ما هو ناقص ومشين، فسوف تصبح ألفتنا كمجموع قردة تنقله بلا مبدأ، وتتحرك دون محرك أولي معقول، سوف يصبح كتابنا ألمانيين وإفرنسيين وإنكليز، فتتحول قوة الفكر السوري إلى لغات الأجانب؛ لأجل إرضاء ذوقك الضال، فيضحك الأجانب من ضعفهم، وكان يمكنهم أن يكتبوا بلغتهم مفيدين مجيدين.
سوف تصبح مجتمعاتنا موضا لتبلبل الألسن كأننا أمام برج جديد نقيمه بضلالنا لبابل العصرية ... سوف يشب أولادنا على صفات كلها خارجية وتخلو أنفسهم من الوسم الداخلي الذي يميز الشعوب ويعطي القوة للأمة ...
ناپیژندل شوی مخ