فصل في المكان
يقال مكان لشيء يكون فيه الجسم فيكون محيطا به ويقال مكان لشيء يعتمد عليه الجسم فيستقر عليه والمكان الذي يتكلم فيه الطبيعيون هو الأول وهو حاو للمتمكن مفارق له عند الحركة ومساو له لأنهم يقولون لا يتأتى أن يوجد جسمان في مكان واحد فإذا كان كذلك فينبغي أن يكون خارجا عن ذات المتمكن لأن كل شيء يكون في ذات المتحرك فلا يفارقه المتحرك عند الحركة: وقد قيل إن كل مكان مباين للمتحرك عند الحركة فإذا ليس المكان شيئا في المتمكن وكل هيولى وكل صورة فهو في المتمكن فليس إذا المكان بهيولى ولا صورة ولا الابعاد التي يدعى أنها مجردة عن المادة بمكان الجسم المتمكن لا مع امتناع خلوها كما يراه بعضهم ولا مع جواز خلوها كما يظنه مثبتو الخلاء وأقول أولا أنه إن فرض خلاء خال فليس هو لا شيئا محضا بل هو ذات وكم وجوهر لأن كل خلاء خال يفرض فقد يوجد خلاء آخر أقل منه وأكثر ويوجد متجزئا في ذاته المعدوم واللاشيء ليس يوجد هكذا فليس الخلاء لاشيئا وأيضا كل ما كان كذلك فهو كم فالخلاء كم وكل كم فإما منفصل وإما متصل والخلاء ليس بمنفصل لأن كل منفصل فإما أن يكون الانفصال عرض له أو يكون لذاته منفصلا وكل ما عرض له الانفصال فهو متصل بالطبع وإن كان منفصلا لذاته فهو عديم الحد المشترك بين أجزائه وكل ما كان كذلك فكل واحد من أجزائه لا ينقسم وكلما كان كذلك فليس يمكن أن يقبل في ذاته متصل الأجزاء فإذا الخلاء ليس بمنفصل الذات فهو إذا متصل الذات كيف لا وقد يفرض مطابقا للملاء في مقداره وكلما كان كذلك فهو مطابق لمتصل وكلما طابق المتصل فهو متصل فالخلاء إذا متصل وأيضا الخلاء ثابت الذات متصل الأجزاء منحازها في جهات وكلما كان كذلك فهو كم ذو وضع فالخلاء كم ذو وضع وأيضا الخلاء يوجد في خاصية البعد وقبول الانقسام الوهمي من أي جانب وأي امتداد كان في الجهات كلها وكلما كان كذلك فهو ذو أبعاد ثلاث فالخلاء ذو أبعاد ثلاث وذو وضع وكأنه جسم تعليمي مفارق للمادة فنقول أن كون الخلاء كما ذا وضع وأبعاد ثلاث إما أن يكون له لذاته أو لشيء الخلاء حل فيه أو لشيء هو حل في الخلاء وهو مقدار موضوعه الخلاء ولا يجوز أن يكون لشيء حل في الخلاء لأنه يكون ذا مقدار غير الخلاء وكلما كان كذلك فهو ملاء فذلك الشيء ملاء فيكون الخلاء حل في الملاء وهذا باطل محال لأنه يلزم أن يكون الخلاء ملاء ولا أيضا لشيء حل في الخلاء فقدره فيكون ذلك المقدار في محل لا يفارقه
مخ ۹۹