225

تسبه بشيء غير جواهر الأفلاك وموادها وأنفسها. ومحال أن يكون بالعنصريات وما يتولد عنها ولا أجسام ولا أنفس غير هذه فبقي أن يكون لكل واحد منها شوق تشبه بجوهر عقلي مفارق يخصه. وتختلف الحركات وأحوالها وجهاتها التي لها لأجل ذلك وإن كنا لا نعرف كيفية وجوب ذلك وكميته وتكون العلة الأولى متشوق الجميع بالاشتراك. فهذا معنى قول القدماء إن للكل محركا واحدا معشوقا ولكل كرة محرك يخصها ومعشوق يخصها فيكون إذا لكل فلك نفس محركة تعقل الخير ولها بسبب الجسم تخيل أي تصور للجزيئات وإرادة للجزئيات ويكون ما يعقله من الأول من المبدأ الذي يخصه القريب منه مبدأ يشوقه إلى التحريك ويكون لكل فلك عقل مفارق نسبته إلى نفسه نسبة العقل الفعال إلى أنفسنا وأنه مثال كلي عقلي لنوع فعله فهو يتشبه به. وبالجملة فلا بد في كل متحرك منها لغرض عقلي من مبدأ عقلي يعقل الخير الأول وتكون ذاته مفارقة فقد علمت أن كل ما يعقل فهو مفارق الذات. ومن مبدأ للحركة جسماني أي مواصل للجسم فقد علمت أن الحركة السماوية نفسانية تصدر عن نفس مختارة متجددة الاختيارات على الاتصال جزئيتها فيكون عدد العقول المفارقة بعد المبدأ الأول عدد الحركات فإن كانت أفلاك المتحيرة إنما المبدأ في حركة كرات كل كوكب منها قوة تفيض من الكوكب لم يبعد أن تكون المفارقات بعدد الكواكب لها لا بعدد الكرات وكان عددها عشرة بعد الأول أولها العقل المحرك الذي لا يتحرك وتحريكه لكرة الجرم الأقصى ثم الذي هو مثله لكرة الثوابت ثم الذي هو مثله لكرة زحل - وكذلك حتى ينتهي إلى العقل الفائض على أنفسنا وهو عقل العالم الأرضي: ونسميه نحن الفعال وإن لم يكن كذلك بل كان كل كرة متحركة لها حكم في حركة نفسها ولكل كوكب كانت هذه المفارقات أكثر عددا وكانت على مذهب المعلم الأول قريبا من خمسين فما فوقها وآخرها العقل الفعال: وقد علمت من كلامنا في الرياضات مبلغ ما ظفرنا به من عددها. السماوية والأجرام العلوية فقد صح لنا بما قدمناه من القول إن الواجب الوجود بذاته واحد وأنه ليس بجسم ولا في جسم ولا ينقسم بوجه من الوجوه. فإذا الموجودات كلها وجودها عنه ولا يجوز أن يكون له مبدأ بوجه من الوجوه ولا سبب لا الذي عنه ولا الذي فيه أو به يكون ولا الذي له حتى يكون لأجل شيء فلهذا لا يجوز أن يكون كون الكل عنه على سبيل قصد منه كقصدنا لتكوين الكل لوجود الكل فيكون قاصدا لأجل شيء غيره - وهذا الفصل قد فرغنا عن تقريره في غيره وذلك فيه أظهر

مخ ۲۲۵