والغاية التي ابتغاها «رسل» من كتابه هذا هي أن يستنبط المنطق كله والرياضة البحتة كلها من مقدمات قليلة يكون طابعها منطقيا صرفا. وإنما تكون المقدمة منطقية خالصة إذا توافر منها أولا أن تكون صادقة صدقا مطلقا غير مشروط بحالة معينة من حالات العالم الخارجي، وأن تكون ثانيا غير مشتملة على أية كلمة من ذوات المعنى الثابت فيما عدا الكلمات المنطقية ، والكلمات المنطقية هي هذه: «كل» «ليس» «أو» «و» «إما ... أو ...» «يستلزم»، وما إليها من ألفاظ من شأنها أن تبني للعبارة إطارها أو تحدد لها صورتها دون أن يكون لها مضمون من معنى خاص مشير إلى أشياء الطبيعة وكائناتها.
أراد «رسل» إذن - كما أراد من قبله «فريجه» - أن يتعقب قضايا الرياضة البحتة وقضايا المنطق الخالص صاعدا بها إلى أصولها الأولية القليلة العدد، والتي يكون قوامها منطقيا صرفا، ولكن تلك الأصول الأولية لا بد أن تصاغ في كلمات اللغة على كل حال؛ وإذن فلا بد أن تكون بداية البناء ألفاظا نقبلها بغير تعريف، وهي ما يسميه «رسل» باللامعرفات، لا لأنها مستحيلة التعريف بألفاظ غيرها، بل لأننا نريد أن نبدأ بهذه الكلمات أو بغيرها لنخطو بعدئذ في شوطنا الاستنباطي؛ حتي نرى هل يتكامل لنا بناء المنطق والرياضة بهذه الخطوات أو لا يتكامل.
والكلمات التي يبدأ بها «رسل» بغير أن يحاول تعريفها، والتي منها سيستخرج المنطق كله والرياضة كلها، عددها ثلاثة، هي: «الإثبات» و«النفي» و«البدائل». ويرمز لها برموز خاصة حتى يستغني عن كلمات اللغة المتداولة؛ فرمز القضايا المثبتة هو «ق، ك، ل ... إلخ»، ورمز النفي (الذي هو في اللغة الجارية كلمة «ليس») هو هذه العلامة « » توضع أمام ما يريد أن ينفيه، ورمز البدائل (الذي هو في اللغة الجارية كلمة «أو») هو هذه العلامة « » توضع بين البديلين، بحيث إذا قيل مثلا «س
ص» كان معناها باللغة الجارية: إما «س» أو «ص».
وتستطيع من هذه الرموز الثلاثة وحدها أن تعبر عن بقية المصطلحات المنطقية كلها؛ لأن هذه المصطلحات يمكن ردها أو ترجمتها أو تحليلها إلى واحد أو أكثر من تلك اللامعرفات الثلاثة؛ فمثلا:
إذا أردنا أن نضيف بواو العطف قضية إلى قضية، كقولنا «ق (و) ك» - أو باللغة الرمزية التي استخدمها رسل جريا على عرف الرياضيين في الرموز «ق
ك» - أمكننا أن نحولها إلى النفي والبدائل معا، فتصبح (
ق
ك)؛ أي إن إضافة «ق» إلى «ك» بواو العطف متعادلة مع قولنا إنه ليس من الصواب أن يقال عن القضيتين ق، ك إنه إما لا - ق أو لا - ك.
وكذلك إذا أردنا أن نقول عن قضيتين إن إحداهما تستلزم الأخرى، وهذا القول باللغة الرمزية التي استخدمها رسل يكون هكذا «ق
ناپیژندل شوی مخ