العقلاء كافة على ذلك خلافا للكرامية (1) حيث قالوا إنه تعالى في جهة فوق ولم يعلموا أن الضرورة قضت بأن كل ما هو في جهة فإما أن يكون لابثا فيها أو متحركا عنها فهو إذن لا ينفك عن الحوادث وكل ما لا ينفك عن الحوادث فهو حادث على ما تقدم
المبحث الخامس في أنه تعالى لا يتحد بغيره
الضرورة قاضية ببطلان الاتحاد فإنه لا يعقل صيرورة الشيئين شيئا واحدا. وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور فحكموا بأنه تعالى يتحد مع أبدان العارفين حتى أن بعضهم قال إنه تعالى نفس الوجود وكل موجود هو الله تعالى. وهذا عين الكفر والإلحاد. والحمد لله الذي فضلنا باتباع أهل البيت دون أهل الأهواء (2) الباطلة
(1) الكرامية: هم أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة (راجع: الفرق بين الفرق ص 131، والملل والنحل ج 1 ص 108). وذهب مذهب الكرامية. أبو الحسن الأشعري، رئيس الأشاعرة، وأثبت الفوقية لله تعالى (راجع:
الابانة في أصول الديانة ص 36 إلى 55). وذهب أيضا إلى ذلك المذهب فرقة الوهابية، وقدوتهم ابن تيمية (راجع: رسالة العقيدة الحموية ج 1 ص 429 لابن تيمية، والهدية السنية ص 97، والرسالة الخامسة منها ص 105 لعبد اللطيف، حفيد محمد بن عبد الوهاب).
(2) قال القوشجي في شرح التجريد: وذهب بعض المتصوفة إلى أنه يحل في العارفين ... كما قال العارف البلجرامي في كتابه: «سبحة المرجان»:
إنما الخلق مظهر الباري-- هو في كل جزئه ساري
وقال الآخر منهم:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا-- نحن روحان حللنا بدنا
وأقول: كتبهم مشحونة بهذه الخرافات، فان شئت الاطلاع عليها بالتفصيل، فراجع:
ديوان الشيخ ابن الفارض، لا سيما قصيدته التائية واليائية، ورسائل الشيخ عطار، وغيرها.
مخ ۵۷