المبحث الثالث في أنه تعالى ليس بجسم
أطبق العقلاء على ذلك إلا أهل الظاهر كداود والحنابلة كافة فإنهم قالوا إنه تعالى جسم يجلس على العرش ويفضل عنه من كل جانب ستة أشبار بشبره وأنه ينزل في كل ليلة جمعة على حمار وينادي إلى الصباح هل من تائب هل من مستغفر (1) وحملوا آيات التشبيه على ظواهرها. (2)
(1) وفي الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام): أن الله يبعث ملكا ينادي ليلة الجمعة: «هل من تائب، وهل من مستغفر؟»، من دون أن يتجسم تعالى شأنه (راجع:
تعليقة إحقاق الحق ج 1 ص 173).
(2) غير خفي على أولي الألباب: أن أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، كان معتقدا بأن الله جسم، وله أعضاء: كاليد، والوجه، والعين. ويتمسك لذلك بظواهر الآيات المتشابهة، وهكذا قال مالك بن أنس إمام المالكية: (راجع: الملل والنحل ج 1 ص 93 و104). وقال الزمخشري في الكشاف ج 3 ص 301:
فان حنبليا قلت قالوا بأنني-- ثقيل حلولي بغيض مجسم
قال ابن الأثير الجزري في تأريخه الكامل ج 6 ص 248، تحت عنوان: «ذكر فتنة الحنابلة ببغداد». (وفيها عظم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم .. (إلى أن قال): فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة، ينكر عليهم فعلهم، ويونجهم باعتقاد التشبيه، وغيره، فمنه: تارة أنكم تزعمون: أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين، وهيئتكم الرذلة على هيئته، وتذكرون: الكف، والأصابع، والرجلين، والنعلين المذهبين، والشعر القطط، والصعود إلى السماء، والنزول إلى الدنيا، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ثم طعنكم على خيار الأئمة، ونسبتكم شيعة آل محمد (ص) إلى الكفر والضلال، ثم استدعاؤكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة، والمذاهب الفاجرة، التي لا يشهد بها القرآن).
هذا ... وكتب الحنابلة مشحونة بهذه الخرافات في الأمور الاعتقادية، حتى أن أبا الحسن الأشعري، رئيس الأشاعرة، تبعا لقدوته أحمد بن حنبل قد عقد أبوابا لهذه المناكير، في كتابه: «الابانة في أصول الديانة ص 36 إلى 55. وذهب إلى هذا المذهب الوهابيون، وقدوتهم ابن تيمية (راجع: العقيدة الحموية، في ضمن مجموعة الرسائل ج 1 ص 429، ومنهاج السنة ج 2 ص 240 إلى 278، والرسائل الخمس المسمى بالهدية السنية ص 97، 99، وفي الرسالة الخامسة ص 105.
مخ ۵۵