مع أن جميع العقلاء حكموا عليهم بالسفسطة حيث جوزوا انقلاب الأواني التي في دار الإنسان حال خروجه أناسا فضلاء مدققين في العلوم حال الغيبة وهؤلاء جوزوا حصول مثل هذه الأشخاص في الحضور ولا يشاهدون فهم أبلغ في السفسطة من أولئك. فلينظر العاقل المنصف المقلد لهم هل يجوز له أن يقلد مثل هؤلاء القوم ويجعلهم واسطة بينه وبين الله تعالى ويكون معذورا برجوعه إليهم وقبوله منهم أم لا فإن جوز ذلك لنفسه بعد تعقل ذلك وتحصيله فقد خلص المقلد من إثمه وباء (1) هو بالإثم نعوذ بالله من زوال الأقدام. وقال بعض الفضلاء ونعم ما قال كل عاقل جرب الأمور فإنه لا يشك في إدراك السليم حرارة النار إذا بقي فيها مدة مديدة حتى تنفصل أعضاؤه ومحال أن يكون أهل بغداد على كثرتهم وصحة حواسهم يجوز عليهم جيش عظيم ويقتلون وتضرب فيهم البوقات الكثيرة ويرتفع الريح وتشتد الأصوات ولا يشاهد ذلك أحد منهم ولا يسمعه ومحال أن يرفع أهل الأرض بأجمعهم أبصارهم إلى السماء ولا يشاهدونها ومحال أن يكون في السماء ألف شمس كل واحدة منها ألف ضعف من هذه الشمس ولا يشاهدونها ومحال أن يكون لإنسان واحد مشاهد أن عليه رأسا واحدا ألف رأس لا يشاهدونها وكل واحد منها مثل الرأس الذي يشاهدونه ومحال أن يخبر أحد بأعلى صوته ألف مرة بمحضر ألف نفس كل واحد منهم يسمع جميع ما يقوله بأن زيدا ما قام ويكون قد أخبر بالنفي ولم يسمع الحاضرون حرف النفي مع تكرره ألف مرة وسماع كل واحد منهم جميع ما قاله بل علمنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من علمنا بأنا حال خروجنا من منازلنا لا تنقلب
(1) وفي النهاية لابن الأثير- ج 1: أبوه بنعمك، أي ألزم، وأرجع، وأقر، وأصل البواء:
اللزوم.
مخ ۴۳