البحث السادس في أن الإدراك ليس لمعنى والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا لزمهم بواسطته إنكار الضروريات فإن العقلاء بأسرهم قالوا إن صفة الإدراك تصدر عن كون الواحد منا حيا لا آفة به. والأشاعرة قالوا إن الإدراك إنما يحصل لمعنى حصل في المدرك فإن حصل ذلك المعنى للمدرك حصل الإدراك وإن فقدت جميع الشرائط نهج الحق ص : 46و إن لم يحصل لم يحصل الإدراك وإن وجدت جميع الشرائط وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات لأن من شأن الإدراك أن يتعلق بالمرئي على ما هو عليه في نفسه وذلك يحصل في عدمه كما يحصل حال وجوده فإن الواحد منا يدرك جميع لموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلق وحينئذ يلزم تعلق الإدراك بالمعدوم وبأن الشي ء سيوجد وبأن الشي ء قد كان موجودا وأن يدرك ذلك بجميع الحواس من الذوق والشم واللمس والسمع لأنه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح وبين رؤية المعدوم وكما أن الم باستحالة المعدوم ضروري كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح. وأيضا يلزم أن يكون الواحد منا رائيا مع الساتر العظيم البقة ولا يرى الفيل العظيم ولا الجبل الشاهق مع عدم ساتر على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأول وانتفى في الثاني وكان يصح منا أن نرى ذلك المعنى لأنه موجود. وعندهم أن كل موجود يصح رؤيته ويتسلسل لأن رؤية الشي ء إنما تكون بمعنى آخر وأي عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والحرارة والبرودة والصوت بالعين وجواز لمس العلم والقدرة والطعم والرائحة والصوت بليد وذوقها باللسان وشمها بالأنف وسماعها بالأذن وهل هذا إلا مجرد سفسطة وإنكار المحسوسات ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة
مخ ۱۴