المطلب الأول في حقيقة الكلام الكلام عند العقلاء عبارة عن المؤلف من الحروف المسموعة. نهج الحق ص : 60و أثبت الأشاعرة كلاما آخر نفسانيا مغايرا لهذه الحروف والأصوات دالة عليه. وهذا غير معقول فإن كل عاقل إنما يفهم من الكلام ما قلناه فأما ما ذهبوا إليه فإنه غير معقول لهم ولغيرهم البتة فيف يجوز إثباته لله تعالى وهل هذا إلا جهل عظيم لأن الضرورة قاضية بسبق التصور على التصديق. وإذ قد تمهدت هذه المقدمة فنقول لا شك في أنه تعالى متكلم على معنى أنه أوجد حروفا وأصواتا مسموعة قائمة بالأجسام الجمادية كما كلم الله تعالى موسى من الشجرة فأوجد فيها الحروف والأصوات. والأشعرية خالفوا عقولهم وعقول كافة البشر وأثبتوا له تعالى كلاما لا يفهمونه هم ولا غيرهم. وإثبات مثل هذا الشي ء والمكابرة عليه مع أنه غير متصور البتة فضلا عن أن يكون مدلولا عليه معلوم البطلان ومع ذلك فإنه صادر منا أو فينا عندهم ول نعقله نحن ولا من ادعى ثبوته
المطلب الثاني في أن كلامه تعالى متعدد
المعقول من الكلام على ما تقدم أنه الحروف والأصوات المسموعة وهذه الحروف المسموعة إنما تلتئم كلاما مفهوما إذا كان الانتظام أحد الوجوه التي يحصل بها الإفهام وذلك بأن يكون خبرا أو أمرا أو نهيا أو استفهاما أو تنبيها وهو الشامل للتمني والترجي والتعجب والقسم والنداء ولا وجود له إلا في هذه الجزئيات. والذين أثبتوا قدم الكلام اختلفوا فذهب بعضهم إلى أن كلامه نهج الحق ص : 61تعالى واحد مغاير لهذه المعاني وذهب آخرون إلى تعدده. والذين أثبتوا وحدته خالفوا جميع العقلاء في إثبات شي ء لا يتصورونه هم ولا خصومهم من أثبت لله تعالى وصفا لا يعقله ولا يتصوره هو ولا غيره كيف يجوز أن يجعل إماما يقتدى به ويناط به الأحكام
مخ ۲۲