وجعلت فيها مأدبة (1): مشربا ، ومطعما ، وأزواجا ، وخدما ، وقصورا ، وأنهارا ، وزروعا ، وثمارا ، ثم أرسلت داعيا يدعو إليها ، فلا الداعى أجابوا ، ولا فيما رغبت إليه رغبوا ، ولا إلى ما شوقت إليه اشتاقوا أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها ، واصطلحوا على حبها ، ومن عشق شيئا أعشى بصره (2) وأمرض قلبه ، فهو ينظر بعين غير صحيحة ، ويسمع بأذن غير سميعة ، قد خرقت الشهوات عقله ، وأماتت الدنيا قلبه ، وولهت عليها نفسه فهو عبد لها ، ولمن فى يده شىء منها : حيثما زالت زال إليها ، وحيثما أقبلت أقبل عليها ، ولا يزدجر من الله بزاجر ، ولا يتعظ منه بواعظ ، وهو يرى المأخوذين على الغرة (3) حيث لا إقالة ولا رجعة كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون ، وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون ، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون ، فغير موصوف ما نزل بهم ، اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت ، ففترت لها أطرافهم ، وتغيرت لها ألوانهم ، ثم ازداد الموت فيهم ولوجا (4) فحيل بين أحدهم وبين منطقه ، وإنه لبين أهله ينظر ببصره ، ويسمع بأذنه على صحة من عقله ، وبقاء من لبه يفكر فيم أفنى عمره ،
مخ ۲۱۱