نفحه زکیه
النفحة الزكية في تاريخ مصر وأخبار الدولة الإسلامية
ژانرونه
وقد كان جل قصد فرنسا من هذه التجريدة أنها تحتل بتملكها على مصر موضعا حسنا يسمح لها بتهديد الإنجليز في الهند، فوصلت العمارة الفرنساوية إلى ثغر إسكندرية في 18 محرم سنة 1213ه، وتملك الفرنساويون على هذه المدينة بعد مقاومة قليلة، ثم قصدوا مدينة القاهرة بجيش مؤلف من أربعة وثلاثين ألف مقاتل، فساروا على الشاطئ الأيسر للنيل حتى وصلوا أمام هذه المدينة بعد خمسة عشر يوما، فقابلهم مراد بيك بجيوشه وحصلت بينه وبينهم واقعة عظيمة عند إنبابة بقرب الجيزة، فانهزم مراد بيك وفر إلى الصعيد، فاقتفى أثره الجنرال ديزه أحد قواد بونابارت إلى الشلال الأول، ودخل الفرنساويون مدينة القاهرة بعد أن خرج منها الوالي مسافرا إلى الشام بعساكر الوجاقات، فجعل بونابارت على إدارة المدينة ديوانا مؤلفا من عشرة أشخاص من أعيان البلد، ثم خرج من القاهرة لتبديد جيوش إبراهيم بيك، فوصل إلى الصالحية وتملك عليها، وفر إبراهيم بيك إلى بلاد الشام، فعاد بونابارت حينئذ إلى القاهرة، ووصله في الطريق أثناء عوده خبر موقعة أبي قير التي حطمت فيها العمارة الإنجليزية العمارة الفرنساوية برمتها، وكان سبب ذلك أن إنكلترا كانت قد أرسلت منذ خروج العمارة الفرنساوية من ميناها أحد أميرالاتها نلسون في أسطول؛ ليقتفي أثر الأسطول الفرنساوي في البحر الأبيض المتوسط، ويقاومه إذا رأى منه مسا لحقوق إنكلترا، فلما علم هذا الأميرال بدخول الفرنساويين في القطر المصري حضر إلى الإسكندرية في 19 صفر سنة 1213ه، فوجد العمارة الفرنساوية راسية في خليج أبي قبر، فهجم عليها في هذا الموضع ودمرها، فصارت الحملة الفرنساوية من وقتئذ في مقام حرج.
ثم علم بونابرت أيضا أن الدولة العلية سعت إلى استرجاع مصر من الفرنساويين، وبعثت إلى أحمد باشا الجزار والي عكا أن يرسل جيشا لاحتلال العريش، فجهز حينئذ بونابارت جيشا ليس للمدافعة عن مصر فقط، بل لافتتاح الشام أيضا، فافتتح فيها بعض المدن، ولكنه لم يقدر على فتوح عكا لمدافعة الأسطول الإنكليزي عنها من البحر، فعاد إلى مصر بعد أن لحق بجيشه العذاب الأليم لما قاساه من شدة الحر والعطش، ونظرا لتعقب العمارة الإنكليزية له في البحر وتعرض العربان له في البر، فلم يلبث بونابارت بعد رجوعه إلى مصر أن بلغه خبر قدوم العساكر العثمانية إلى أبي قير ونزولها إلى البر فأسرع لملاقاتها بجيش مؤلف من ستة آلف مقاتل هزم به جيش الترك وأعدمه كلية، غير أنه بعد هذا النصر بشهر تقريبا طلب في فرنسا ليصادم أخطارا أحدقت بها، فسافر من مصر تاركا قيادة العساكر فيها إلى الجنرال كلابر أفضل قواده حزما وعقلا وهيبة وأنفة وبسالة، فاستمال هذا الجنرال الأهالي بحسن عدله وحلمه، ولكنه عرف عدم إمكان استمرار الفرنساويين على احتلال مصر، فأخذ في المخابرة مع الصدر الأعظم يوسف باشا الذي أرسلته الدولة لإخراج الفرنساويين من مصر، فعينا نوابا من طرفيهما اتفقوا على معاهدة عرفت بمعاهدة العريش؛ من مقتضاها أن الجيش الفرنساوي ينجلي عن مصر في مدة ثلاثة أشهر، ويحمل إلى فرنسا على مراكب تركية، غير أنه لم يتم أمر هذه المعاهدة؛ لعدم قبول نواب الحكومة الإنجليزية بالتصديق عليها، فعادت البغضاء بين الطرفين، وسار كلابر لملاقاة جيش الترك، فقابله بين المطرية وسرياقوس، فانهزم جيش الترك وتقهقر إلى الوراء. غير أن شرذمة منه تقدمت إلى أبواب القاهرة متبعة شاطئ النيل، فظن الأهالي أن جيش الفرنساويين قد عدم، فقاموا على من بها من الخفر، فانحاز هؤلاء إلى القلعة، فأوقع أهالي القاهرة بالنصارى القاطنين بها قتلا ونهبا، فعاد كلابر من اقتفاء أثر يوسف باشا، وحاصر المدينة وجبر الأهالي على التسليم، ولكنه عوضا عن أن يقتص منهم قصاصا فظيعا اكتفى بأن يضرب عليهم غرامات ثقيلة.
ثم بعد ذلك بمدة قليلة وثب رجل اسمه سليمان الحلبي على الجنرال كلابر وطعنه بخنجر في صدره فمات، فصارت رئاسة الجيش للجنرال مينو، فلما وجد هذا الجنرال نفسه مجبورا على أن يقاوم في آن واحد جيش الصدر الأعظم الآتي من الشام وجيش الإنجليز الذي نزل بشاطئ أبي قير وجيشا آخر أتى من الهند، وسار من القصير إلى قنا، التزم بأن يعقد معاهدة الانجلاء عن مصر، فانجلى عنها سنة 1216ه وحمل الجيش الفرنساوي بكافة مهماته الحربية من أسلحة وذخائر إلى فرنسا على مراكب إنجليزية، وبعد انسحاب الجيش الفرنساوي انسحب الجيش الإنجليزي، وبقي في مصر يوسف باشا بالجيش العثماني، فطلب قبل سفره أيضا من الباب العالي تولية خسرو باشا على مصر، فتولى هذا عليها ولكنه لم يقو على مقاومة المماليك أيضا، وكانوا تحت رئاسة عثمان بيك البرديسي ومحمد بيك الألفي، فالتزم بالخروج من القاهرة وتولى عوضا عنه بصفة قائمقام مؤقتا بإقرار من القضاة وأرباب الديوان بمصر طاهر باشا، فلاقى من المماليك أيضا ما لاقاه سلفه، واشتد الخصام في أيام حتى انتهى بقطع رأسه، فأصبحت مصر بغير وال يدير أعمالها فسنحت الفرص حينئذ للرجل العظيم المغفور له محمد علي باشا رأس العائلة الخديوية بإظهار فضائله وما اختص به من البسالة والإقدام.
المطلب الثاني
في ذكر العائلة الخديوية
رأس هذه العائلة هو الرجل الهمام محمد علي باشا، وقد ولد هذا الشهم بمدينة قولة من أعمال الروملي سنة 1182ه، من أب يدعى إبراهيم أغا، كان من ضباط تلك المدينة، فتوفي أبوه وهو في الرابعة من عمره، ثم عمه بعد أبيه بمدة يسيرة، فكفله حاكم مدينة براوسطا أحد أصدقاء والده، ورباه على استعمال السلاح، وزوجه وهو في سن الثامنة عشرة بإحدى قريباته، وكانت ذات يسار، فكان ذلك مبدأ ثروته، فاشتغل بالتجارة بالاشتراك مع تاجر فرنساوي من قولة، ونجح في أعماله؛ خصوصا في تجارة الدخان الذي كان أعظم محصولات بلدته، ثم لما جردت الدولة العثمانية إلى مصر التجريدة التي أرسلتها لمحاربة الفرنساويين بها كان من ضمن تلك التجريدة ثلاثمائة رجل صار جمعهم من مدينة قولة، فأرسلوا إلى مصر تحت قيادة علي أغا ابن والي قولة برفقة العمارة العثمانية، وكان من جملتهم محمد علي بوظيفة وكيل على هذه الطائفة العسكرية، فقدم مصر سنة 1214ه، وحضر موقعة أبي قير التي هزم فيها جيش الترك تحت رئاسة مصطفى باشا، فبعد هذه الكسرة عاد علي أغا إلى بلاده بعد أن عهد قيادة فرقته إلى محمد علي، فارتقى هذا إلى رتبة البكباشي، ثم دخل في خدمة خسرو باشا حين تقلد ولاية مصر من لدن الدولة العثمانية، ولم يزل يتقدم بسبب كفاءته إلى أن ارتقى إلى رتبة أمير اللواء، فظهر حينئذ في ميدان الظهور.
وكانت الدولة العلية قد أصدرت أوامرها إلى خسرو باشا بإبادة من بقي من المماليك بمصر وقطع دابرهم على قدر الإمكان، فجرد تجريدة وجهها على كل من رئيسيها الأصليين عثمان بيك البرديسي ومحمد بيك الألفي، فانهزمت هذه التجريدة عند دمنهور شر هزيمة، وكان انهزامها قبل وصول محمد علي ورجاله إلى الموقعة، فاتهمه قائد الحملة ونسب كسرها إلى تأخيره، وشكاه إلى خسرو باشا، فانتهز الباشا فرصة هذه التهمة، وأراد أن يفتك به لما شاهده من ازدياد نفوذه، ولكنه اتفق في ذلك الوقت قيام العسكر لتأخر صرف جماكيهم، فعمدوا إلى الثورة والهيجان، وتمكنوا من أخذ القلعة بالقوة وجبروا الوالي على الفرار منها، فتقلد ولاية مصر مكانه طاهر باشا رئيس العسكر المتمردة، ولكنه لم يمكنه أن يفي للعسكر بمطلوباتهم أكثر من خسرو باشا، فقتلوه في داخل قصره، فطلب الينكشارية تولية أحمد باشا، فلم يرغب محمد علي بذلك، وكان قد ملك القلعة ومعه رجاله الأرناءوط، فكاتب عثمان بيك البرديسي وإبراهيم بيك من رؤساء المماليك، واتحد معهما على إخراج أحمد باشا من المدينة، فأرسلوا له بالخروج منها، فلم يسعه إلا امتثال الأمر، ثم اتفق محمد علي مع عثمان بيك البرديسي على محاربة خسرو باشا، فحصره البرديسي بدمياط وأسره هناك وأتى به إلى القاهرة وسلمه لإبراهيم بيك سنة 1218ه، ولما بلغ هذا الخبر مسامع الدولة أرسلت إلى مصر علي باشا الجزايرلي ليجلس مكان خسرو باشا ويقتص من الجانين، ولكن سوء تدبيره أوقعه في أيدي المماليك فقتلوه، وفي خلال تلك المدة كان عود محمد بيك الألفي من إنكلترا، حيث كان استصحبه معه جيش الإنكليز عند خروجه من مصر أملا في تنقيص قوة البرديسي، فاجتهد محمد علي في إيجاد الشقاق بين الألفي والبرديسي ووقوع الحرب بينهما، ففر الألفي إلى الصعيد، ثم التزم البرديسي أيضا بالخروج من القاهرة لقيام العسكر والأهالي عليه، فصارت جميع السلطة لمحمد علي، واتحدت معه جميع القوة العسكرية والملكية، فأراد أن يعيد خسرو باشا لولاية مصر، فأبى الأرناءوط وذهبوا به إلى رشيد، ومنها سافر إلى القسطنطينية، فجمع محمد علي المشايخ والعلماء وتشاور معهم في تولية خورشيد باشا والي الإسكندرية ولاية مصر، فوافقوه على ذلك ، وطلبوا أن يكون هو كتخدا له؛ أي بصفة قائمقام، وكتبوا إلى الباب العالي بذلك فأقر عليه، وذلك سنة 1218ه، فاستقدم خورشيد باشا فرقة من العساكر الدالتلية أو الدلاة (نوع من الجنود الأجرية) خوفا من الأرناءوط، فأكثر هؤلاء من النهب والسلب في المدينة ولم يرجعهم خورشيد باشا، فسئمت نفوس الأهالي، فقاموا على خورشيد باشا وعزلوه، وطلبوا تولية محمد علي مكانه فامتنع أولا ثم رضي، فكتب المشايخ والعلماء بذلك إلى الباب العالي، فصدرت الإرادة السنية بفرمان يأذن له بتولية الديار المصرية سنة 1220ه.
وأما خورشيد باشا فبقي منحازا في القلعة إلى أن جاءه مندوب مخصوص من الآستانة يأمره بأن ينزل عن منصب الولاية لمحمد علي ويتوجه إلى الإسكندرية، فلما علم محمد بيك الألفي بتولية محمد علي باشا على الديار المصرية اغتم كثيرا، وتعاهد مع دولة الإنكليز على أن تساعده على خلع محمد علي، وأن يتولى مكانه على الديار المصرية وهو يسلم إليها السواحل المصرية، فاجتهد سفير إنكلترا بالآستانة في هذا الأمر، وضمن للدولة العلية مبلغ العوائد المرتبة لها على الديار المصرية بشرط إعادة طائفة المماليك بها كما كانوا تحت رئاسة محمد بيك الألفي، فأجابت الدولة العلية هذا الطلب، وأرسلت إلى مصر سنة 1221ه أسطولا وفيه موسى باشا والي سلانيك؛ ليتولى على مصر بدل محمد علي باشا، ويسافر محمد علي إلى سلانيك ليكون واليا عليها بدلا عنه، فأظهر محمد علي الامتثال لهذا الأمر، ولكن المشايخ والعلماء كتبوا محضرا إلى السلطان يعددون فيه أوجه تضرراتهم من دولة المماليك ويتلمسون به إبقاء محمد علي باشا واليا عليهم، وكانت في أثناء ذلك الوقائع جارية بين محمد علي باشا والمماليك بجهتي البحيرة والصعيد؛ فإن محمد بيك الألفي كان معسكرا بالبحيرة؛ ليتمكن من المخابرة مع سفير إنكلترا بسكندرية، وأما عثمان بيك البرديسي وإبراهيم بيك فكانا مقيمين بالصعيد، وقد أرسل قبودان باشا الأسطول العثماني يطلب من الألفي مبلغ الألف وخمسمائة كيس التي وعد بأدائها للخزينة السلطانية، فأجابه الألفي بأن طائفة المماليك ما دامت متركبة من ثلاث فرق فهو مستعد لأداء ما يخص فرقته من ذلك إذا كانت الفرقتان الأخريان تؤديان ما يخصهما، ولما بلغ عثمان البرديسي ما قاله الألفي أجاب بأن الألفي؛ لداعي كونه الرئيس الأكبر لجميع طائفة المماليك، يقتضي أن يكون هو الملزم دون غيره بدفع المبلغ المطلوب، فلما بلغ قبودان باشا خبر جوابهما تحقق الخلاف الواقع بينهما، فاستشاط غضبا وانعطف نحو محمد علي باشا وألقى سمعه لنصيحة قنصل فرنسا الذي كان يعضد محمد علي باشا، واجتهد أيضا سفير فرنسا بالقسطنطينية في تفهيم الباب العالي بحقيقة الحال، فصدرت الأوامر إلى القبودان باشا بتفويض إليه إجراء ما يقتضي مع مراعاة المصلحة السلطانية، فدخل القبودان باشا حينئذ في باب المكالمة مع محمد علي باشا، واستقر الحال بينهما على أن يصدر إلى محمد علي باشا فرمان جديد بتقريره في ولاية مصر، بشرط أن يدفع لخزينة الدولة مقدمة مبلغ أربعة آلاف كيس، وعلى ذلك سافر القبودان باشا من الإسكندرية، وبعد شهر من تاريخ سفره ورد لمحمد علي باشا فرمان التقليد الجديد سنة 1221ه، فتمكنت شوكته وصفا له الوقت؛ سيما بموت عثمان بيك البرديسي ومحمد بيك الألفي في وقت متقارب في السنة المذكورة.
إلا أن دولة إنكلترا لما رأت هبوط مسعاها لدى الدولة العلية ونفوذ دولة فرنسا لا زالت مصممة على تعضيد المماليك، فأرسلت إلى مصر سنة 1222ه أسطولا إنجليزيا فاستولى على الإسكندرية، وخرجت فرقة من الإنكليز للتملك على رشيد فانهزموا شر هزيمة، ثم مزقت جيوشهم أيضا عساكر الأرناءوط كل ممزق، فالتزموا بعقد الصلح مع محمد علي باشا، وسافروا إلى بلادهم.
ولما أجبر محمد علي باشا الإنجليز على الإقلاع من الديار المصرية التفت إلى إصلاح الأحوال الداخلية، وكان إذ ذاك قد استفحل أمر العرب الوهابية بالأقطار الحجازية، فاستولوا على الحرمين الشريفين، وقطعوا الطريق على الحجاج والمسافرين، فصدرت إليه الأوامر السلطانية بتوجيه تجريدة لمحاربتهم وتخليص مكة والمدينة من أيديهم، فاهتم محمد علي باشا بالأمر، واجتهد في إنشاء عمارة مصرية بالسويس لتحمل عساكره إلى الأقطار الحجازية، ولكنه خشي بأس المماليك وخاف شرهم بعد سفر العسكر الأرناءوط من القاهرة، فاجتهد في قطع دابرهم أولا وإهلاكهم عن آخرهم؛ ولأجل إتمام هذا الغرض دعاهم سنة 1226ه إلى قلعة الجبل لحضور تقليد ولده طوسون باشا بقيادة جيش الحجاز وعقد موكبا لهذا القصد، فلما اجتمعت جميع المماليك بالقلعة بدت إشارة فأغلقت عليهم أبوابها وضربت عليهم عساكر الأرناءوط بالبنادق من أبراج القلعة وكانوا كامنين لهم فيها، فقتلوهم عن آخرهم، ثم سافر طوسون باشا بتلك الحملة إلى ينبع، واستخلص المدينة ومكة من الوهابيين، ولكن رئيسهم سعود حضر بنفسه وحاصر المدينة، فأرسل طوسون باشا إلى أبيه فحضر محمد علي باشا بنفسه إلى الأقطار الحجازية، وعزل الشريف غالب عن ولاية الحرمين الشريفين وولى غيره، وصادف أن مات الأمير سعود، وتولى على الوهابيين ابنه عبد الله، وما كان في الكفاءة والفضل مثل أبيه، فانهزم الوهابيون في عدة وقائع، وكاد أن يفتح محمد علي باشا جميع الأقطار الحجازية، لولا أنه التزم بالعود إلى مصر سريعا لأمور مهمة؛ وذلك أنه لما فتح المدينة بجنوده كان قد أرسل الخبر بذلك إلى إسلامبول على يد رجل يدعى لطيف باشا كان متقلدا بوظيفة خزندار، فسعى هذا الرجل عند أرباب الدولة بالإيقاع بمحمد علي باشا وتعهد بقلعه عن منصبه إذا كانت الدولة تساعده، فصغت الدولة إلى طعنه وأرسلته إلى مصر وبيده خط شريف بتقليده ولايتها، فلما حضر إلى مصر أظهر هذا الفرمان وقت تغيب محمد علي باشا في الأقطار الحجازية، ولكنه قبض عليه في الحال وقتله محمد لاظوغلي كتخدا محمد علي باشا، وكان نائبا عنه في ولاية الأمر بمصر في مدة تغيبه، وكانت الدولة العثمانية أرسلت إلى الإسكندرية في ذاك الوقت أيضا أسطولا عثمانيا لتأييد سلطتها على مصر؛ فهذا الذي أوجب عود محمد علي باشا سريعا من جزيرة العرب، فلما حضر إلى مصر أخذ في تشييد الثغور المصرية وتجهيز المعدات الحربية، وأراد أن يؤسس عساكره على النظام الجديد نظام جند أوروبا، فعارضه في ذلك العساكر بالقاهرة، ولا سيما الأرناءوط، حتى آلت المعارضة إلى ثورة في القاهرة شاع خبرها في الحجاز مع المبالغة.
ناپیژندل شوی مخ